المراد من إحكام آيات القرآن كله
وعلى هذا الأساس ، نفهم المراد من قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) [هود : ١] ، فقد وصف الله القرآن كله بأنه الكتاب المحكم في جميع آياته ، فيخيّل للقارىء أو السامع أن هذا مناف للآية المذكورة في عرضنا هذا ، لأنها تقسم الكتاب إلى قسمين (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) فإن المراد من إحكام آيات القرآن كله ، هو مجموع الآيات التي لا تختلف مداليلها ، بل تتكامل عند ضمّ بعضها إلى بعض ، فيكون بعضها مفسرا لبعضها الآخر وشارحا له ومبينا للمعنى الواقعي الذي أريد منه ما ورد على خلاف ظاهر اللفظ في معناه الموضوع له ، مما يؤدي به إلى الوضوح في النتائج الحاسمة في نهاية المطاف ، فيكون القرآن كله محكما بطريقة مباشرة في بعض آياته ، وبطريقة غير مباشرة في البعض الآخر.
* * *
معنى قوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً)
وبهذا يتبين معنى قوله تعالى ـ في وصف الكتاب في آية أخرى ـ بأنه «متشابه» وذلك قوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزمر : ٢٣] ، فإن المراد بالمتشابه هنا ، هو الكتاب المنسّق في آياته الذي يشبه بعضه بعضا في تبيان الحقائق ، وتركيز المعارف ، ودقة المعاني ، وتناسق الآيات ، وبلاغة الأسلوب ، بحيث يفسّر بعضه بعضا ويكمل بعضه بعضا.
* * *