تغيير مفهوم أو نحو ذلك مما له علاقة بامتداد الزمن في متغيراته ، فلا مجال للحديث عن نفي أصالة القرآن من حيث اشتماله على بعض ما في التوراة والإنجيل ، ليستدل بذلك ـ كما يتحدث البعض ـ على أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخذ هذه الآية من هذا الكتاب وتلك الآية من ذلك الكتاب ، وقد لاحظنا أن القرآن قد صرّح عن وجود بعض الأحكام في التوراة ، كما في القصاص ، وهذا ما يجعل من الإسلام رسالة جامعة للرسالات مع بعض الاختلاف في الحاجات الطارئة التي تفرض إحداث اجتهاد جديد أو تبديل مفهوم قديم.
وربما نستفيد من الحديث عن القرآن بأنه مصدّق الذي بين يديه ، أن هذا الحديث موجه إلى اليهود والنصارى الذين يحتفظون بالتوراة والإنجيل ليقارنوا بين القرآن وبين الكتابين ، ليجدوا صدق هذه الدعوة. فإذا عرفنا أن الكتاب الذي بأيدينا من التوراة والإنجيل هو الكتاب الذي كان بأيديهم في زمن الدعوة ، فإننا نخرج من ذلك بنتيجة واضحة ، وهي أن الإنجيل أو التوراة لم يحرّفا بالدرجة التي لا يبقى فيها مفهوم صحيح من مفاهيم الرسالة أو آية سالمة من التحريف من آياتهما ، بل إنهما يتضمنان الكثير من النصوص الصحيحة والمفاهيم الحقّة التي تصلح أن تكون أساسا للمقارنة بينها وبين القرآن لمعرفة صدقه من خلال اشتماله على ما في التوراة والإنجيل ، ليكون التحريف مختصا ببعض الجزئيات كالبشارة بالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ونحو ذلك. ولو لا ذلك ، لما كان هناك مجال للاحتجاج بهما على صدق القرآن لاختلاف مفاهيمهما ـ بلحاظ التحريف ـ عن مفاهيم القرآن ؛ والله العالم.
(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ) إنزال القرآن (هُدىً لِلنَّاسِ) الذين يريد الله لهم أن ينطلقوا في حياتهم في نور من الفكر الحق مما لا يملكون الوصول إليه بعقولهم لأنها تفقد الوسيلة إليه أو لأنها لا تستقيم ـ دائما ـ في إدراكه بالدقة والعمق ، فكانت الرسالات وسائل الهدى التي تعرّفهم حقائق الغيب وأسرار العقيدة ودقائق التشريع ، لتكون حياتهم صورة لما أراد الله لهم