الجواب عن بقية الآيات المذكورة» (١).
وخلاصة الجواب ، أن الشيء المركّب من أجزاء متعددة ، قد يلاحظ من حيث وحدته ، باعتبار تكامل الأجزاء في تكوين الوحدة ، فيعبّر بالإنزال ، فإن الدفعية تلاحظ من حيث مجموع الشيء في مقابل مجموع شيء آخر ، وقد تلاحظ من حيث تتابع الأجزاء ، فيكون هناك تدرّج من حيث لحوق بعضها بالبعض الآخر ، حتى لو لم يكن هناك زمان متخلل بينهما ، وبهذا صح التعبير بالتنزيل في كلامهم في الاعتراض على عدم تنزيل القرآن جملة واحدة ، لأن الملحوظ فيها جانب الوحدة في القرآن ، لا جانب التعدد في الأجزاء.
ونلاحظ على ذلك ، أن القضية ـ في هذا الجواب ـ تعني اختلاف التعبير من جهة اختلاف اللحاظ ، مع وحدة المضمون ، فلا يكون هناك فرق حقيقي في النتيجة بين الإنزال والتنزيل ، لأن ذلك قد يلاحظ في كل مركّب حتى في التوراة والإنجيل ، وربما كان اختلاف التعبير ناشئا من باب تنويع اللفظ الذي يتفق معناه ويختلف مبناه من ناحية تجديد الأسلوب.
(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة والإنجيل بقرينة قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) [المائدة : ٤٨] ، في إشارة بكلمة (الكتاب) إلى التوراة والإنجيل اللذين سبقت الإشارة إليهما في أوّل الآية.
فقد جاء القرآن مقرّرا للمفاهيم العقيدية والأخلاقية والشرعية التي جاء بها الكتابان المنزلان من الله ، للتدليل على أن الرسالات ترتكز على قاعدة واحدة من العناوين الكبيرة المتصلة بالحركة العامة للإنسان والحياة ، ليكون الاختلاف بينها في الخصوصيات الطارئة التي قد تتدخل في نسخ حكم أو
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٧ ـ ٨.