يقاتلون المشركين ويعيشون في حال الحرب وانسلاب الأمن ، فقد كان الإسلام في هذه الأيام قد انتشر صيته ، فثارت الدنيا عليه من اليهود والنصارى ومشركي العرب ، ووراء ذلك الروم والعجم وغيرهم» (١).
ونلاحظ على ما ذكره المفسر الجليل ، أن دراسة أغراض السورة وموضوعاتها المتنوعة ، توحي بأن هناك أكثر من قضية كانت تواجه المسلمين في تلك المرحلة مما يؤدي إلى أن تتعدد حالات النزول لمعالجة كل قضية في وقتها ، لأن الطريقة التي درج عليها الوحي كانت جارية على تربية المسلمين بالوحي ، من خلال المشاكل الحيّة على صعيد الواقع ، والتحديات الصارخة في ساحة الصراع مع الآخرين ، لتنزل الآيات في ظروف المشكلة لتعالج قضاياها ، ولتنطلق في مواقع التحدي لتردّ الهجمات الموجهة للإسلام والمسلمين ، الأمر الذي لا يتناسب مع نزولها دفعة واحدة ، ولا نجد في الاتساق والانتظام دليلا على الدفعية في النزول ، لإمكان تحقق ذلك حتى مع التدرّج فيها ، بحيث تتكامل الآيات في تنظيم السورة بعد ذلك. والله العالم.
ونلاحظ في الروايتين اختلافهما في تصوير موقف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من بعض الأسئلة الموجهة إليه كالسؤال عن أب عيسى ، ففي الرواية الأولى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صمت ، وفي الرواية الثانية أنه تابع الحديث معهم من حيث إرادته نفي الولدية لله عنه ، فلم يصمت أمامهم ، بل تابع الحجة على نفي عقيدتهم لأن ذلك هو المقصود ، أما إثبات حقيقة عيسى ، فإن ذلك يأتي بعد إبطال ما ذكروه ، وهي أنه ولد ـ بقدرة الله ـ من أم دون أب.
وإذا صحت الروايتان ، فإنهما تدلان على أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يدخل في الحوار الفكري مع الآخرين ليقيم الحجة عليهم بذلك ، وهذا ما يجب على الدعاة إلى الله أن يتحركوا فيه دائما في ساحات الصراع الفكري مع
__________________
(١) م. س. ، ج : ٣ ، ص : ٥ ـ ٦.