يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا : بلى. قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا : لا ، قال : أفلستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا : بلى. قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلّا ما علم؟ قالوا : لا. قال : فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ، ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟ قالوا : بلى. قال ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذّي كما تغذي المرأة الصبي ، ثم كان يأكل الطعام ، ويشرب الشراب ، ويحدث الحدث؟ قالوا : بلى. قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلّا جحودا ، فأنزل الله (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (١).
ويرى صاحب تفسير الميزان أن ما تضمنته الروايتان من نزول أول السورة ، «كأنه اجتهاد منهم» (٢) ، لأنه استظهر «أن تكون هذه السورة نازلة دفعة واحدة ، فإن آياتها ـ وهي مائتا آية ـ ظاهرة الاتساق والانتظام من أولها إلى آخرها ، متناسبة آياتها ، مرتبطة أغراضها. ولذلك كان مما يترجح في النظر أن تكون السورة إنما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد استقر له الأمر بعض الاستقرار ولما يتم استقراره ، فإن فيها ذكر غزوة أحد ، وفيها ذكر المباهلة مع نصارى نجران ، وذكرا من أمر اليهود ، وحثّا على المشركين ، ودعوة إلى الصبر والمصابرة والمرابطة ، وجميع ذلك يؤيد أن السورة نزلت أيام كان المسلمون مبتلين بالدفاع عن حمى الدين بعامّة قواهم وجميع أركانهم ، فمن جانب كانوا يقاومون الفشل والفتور اللذين يدبّان في داخل جماعتهم بفتنة اليهود والنصارى ويحاجونهم ويحاربونهم ، ومن جانب كانوا
__________________
(١) م. س. ، ج : ٢ ، ص : ٤ ـ ٥.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ١٨.