انطلقت في أجواء التاريخ الديني في نطاق الأديان السابقة في قصص آل عمران ، لتواجه به النوازع السوداء لأهل الكتاب من اليهود ، وتصور لهم كيف كان التاريخ الناصع المتمثل في هذه النماذج البشرية التي استطاعت أن تعيش الإخلاص لله كأعمق ما يكون الإخلاص ، ليتمثلوا ذلك في واقعهم إذا كانوا صادقين في ارتباطهم بذلك التاريخ. وانطلقت السورة بعد ذلك ، لتطرح على أهل الكتاب دعوة اللقاء والمباهلة ليتبين لهم الحقّ من الباطل.
وقد أوردت صورا عن أجواء معارك الإسلام وفي طليعتها معركة أحد التي عاش المسلمون فيها زهو الانتصار في بدايتها كما عاشوا مرارة الهزيمة في نهايتها ... وكان القرآن الكريم في هذه السورة يضع النقاط على الحروف ليأخذ من الهزيمة درسا عمليا من أجل المستقبل الذي لا يريد للمسلمين أن يعيشوا فيه ثقل الهزيمة ، ليتحرروا من سلبيات الماضي بهذا الخصوص.
وأعتقد أن دراسة معركة أحد في هذا الجو القرآني يفوق أية دراسة أخرى تعتمد على تفاصيل القصة في السيرة ، لأن قيمة القرآن في نقل القصة أنه يحشد أمامنا الأجواء الروحية التي كان يعيشها المسلمون كما لو كنا نعيشها في ذلك العصر. إنه ينقل لنا التجربة حيّة وينقدها وهي تتحرك في مراحلها المتقدمة.
وهكذا نجد في هذه السورة الكثير من الإيحاءات الروحية والعملية وطريقة التعامل مع الآخرين من أهل الكتاب ، وذلك في ما ترصده من حركاتهم وأوضاعهم ، من أجل أن تخلق في نفوس المؤمنين المزيد من الوعي العملي عند ما يتحركون في ساحة العمل معهم ومع غيرهم ، ثم توحي للمؤمنين بأن سبيل الانتصار والنجاح في الحياة ، لا يحصل بالاسترخاء والتواكل والكسل والاستغراق في غيبوبة صوفية بعيدة عن الواقع ، بل