مدخل عام
لعل قيمة هذه السورة في الجوّ القرآني ، أنها تنطلق في اتجاه صنع الشخصية الإنسانية الإسلامية ، وهي تواجه هذا الواقع من موقع التنوّع الذي يجمع جانب التطلع الإيماني نحو الله في صفاته وأسمائه الحسنى التي تحيط بالإنسان والكون بالقيوميّة والرعاية ، وجانب حركة هذا الإيمان في أعماق النفس في ما يواجه الإنسان من تحديات الرغبة والرهبة ، وبذلك لا يعود الإيمان مجرّد خلجات في المشاعر وخطرات في الأفكار ، بل ينطلق ليكون موقفا متحركا في اتجاهين ؛ اتجاه يبني النفس على الأسس الروحية الأخلاقية الصحيحة ، لتكون مثالا للشخصية الإسلامية الصابرة على تحديات نوازعها الذاتية الغريزية في أوضاعها المنحرفة ، واتجاه يطلق الشخصية في مواجهة الشخصيات غير الإسلامية في أجواء الصراع الفكري الذي يثير الشبهات ويخلق الانحرافات ، وفي مجالات التحديات العملية في حالة الحرب والسلم ، لتكون قوية في حلبة الصراع ، صابرة على مواطن الإثارة والتحدي التي تختلف أشكالها وأساليبها ونوازعها العامة والخاصة ... وهذا ما يريده الإسلام في ما ينطلق فيه من تقرير الصبر كقيمة أخلاقية كبيرة ، فهو يريد أن يؤكد دوره الفاعل المتحرك الذي يبني للشخصية روحيتها وللذات حركة مسيرتها ، لتكون مصدر إغناء للتجربة الواقعية للحياة والإنسان ...
وقد أثارت السورة في هذا الجو الكثير من الحديث عن أهل الكتاب في ما أثاروه أمام الإسلام والمسلمين من قضايا ومشاكل وتحديات ، كما