وتنطلق الصورة من جو الإيمان إلى جوّ الممارسة ... فها هم المؤمنون يشعرون بأن الإيمان موقف طاعة ، فإذا سمعوا شيئا من وحي الله في آيات القرآن ، أو في شريعة الرسول في سنته ، قالوا سمعنا ، فلا ينكرون الحقيقة التي سمعوها ، وقالوا أطعنا ، فلا يكتفون بالإيمان كفكر يعيش في عقولهم ، بل يعتبرونه خطا للحياة العملية تتحرك فيه كل مشاريعهم ، ليكون الإيمان موقفا ، لا مجرد حالة نفسية تكمن في أعماق الشعور ... إنه موقف العبودية الخالصة والخشوع الكامل أمام عظمة الله ... سبحانك ربنا ... وانطلاق مع فكرة البعث الذي يرجع فيه الإنسان إلى الله في خط النهاية ، ليقف أمامه وقفة العبد الذي يواجه نتائج المسؤولية ...
وتتألق الصورة أكثر وتشرق في تصوير جوّ الابتهال الخاشع أمام الله في ما يثقل ضمير الإنسان وقلبه ، وفي ما يحمل من تمنيات يقدمها إلى ربه ، فهو غير معصوم عن الخطأ ، فقد يخطئ مع الله تحت تأثير نزوة أو شهوة أو غفلة ، فيحس بعد ذلك بثقل الخطأ على نفسه ، وهو غير معصوم من النسيان ، فقد ينسى مسئوليته أمام الله في كثير مما يفعل أو يترك ، فيقع في الانحراف عن الخط العملي للشريعة ، فيثقله ذلك ويتعبه ويبعث اللوعة في نفسه ، فيتجه إلى الله بالدعاء أن لا يؤاخذه على ما خالف به ربّه تحت تأثير الخطأ والنسيان ...
ويتمثل الإنسان المسلم ـ من جديد ـ تاريخ النبوّات السابقة وكيف كان الله يحمل على عباده ثقلا في ما يكلفهم به ، وهذا هو معنى الإصر ، وذلك من خلال ذنب ارتكبوه ، أو عمل انحرفوا به ، فيتجه إلى الله ليجنبه الوقوع في هذه التجربة الصعبة لئلا تتحول الصعوبة إلى حافز للمعصية تحت وطأة ضعف إرادة الإنسان.
وكان التكليف آنذاك يتحرك بشكل تدريجي ، واستجاب الله لهم