ويعيشه من تطلعات بين يدي الله في مشاعره وأحاسيسه المنسابة في روحية العبادة وصفاء الروح وخشوع الدعاء ، هناك عند ما يعيش الإنسان العبودية الخالصة أمام الألوهية الخالقة العظيمة في الشعور بالحاجة التي تفتش عن الغنى ، والذنب الذي يبحث عن المغفرة والعفو والرحمة ، وفي الإحساس بالضعف من الله وحده لا من أحد غيره ، وهو ما يستدعي القوة والنصرة في كل معارك الصراع في سبيل الله تعالى.
وفي هذا التصوير إيحاء بالقضايا الأساسية في العقيدة وفي الشعور والعمل ، ودعوة خفية لكل إنسان أو مجتمع مؤمن بالبحث عن مقوّماته وخصائصه ، في ما تشمل عليه هذه الآية من خصائص ومقوّمات ، وبالانطلاق في روحياته وتطلعاته في أجواء هذه التطلعات الروحية في الآية. والآن ، كيف نتمثل التفاصيل؟
إن الله يحدثنا عن إيمان الرسول بما أنزله عليه من وحي ، وعن المؤمنين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله ، من دون فرق بين رسول ورسول ، فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، لأنهم يمثلون خطا واحدا وفريقا واحدا يكمّل أحدهم الآخر ويؤيد كل واحد منهم صاحبه ، فيبشر به إذا كان لاحقا له في الزمن ، ويدعو أتباعه إلى الإيمان به واحترام رسالته إذا كان سابقا له ، فإن الرسالات لا تتناقض ولا تتنافى في نفسها وفي مفاهيمها للحياة وللآخرة ، بل تختلف ـ إذا اختلفت ـ في مراحلها ، وفي حدود التخطيط الزمني للأشياء عند ما تكون المصلحة محدودة بحدود زمنية تقف عندها لتفسح المجال لمصلحة جديدة لحكم جديد ، وهذه هي عظمة الإسلام في تربيته للإنسان المسلم على احترام كل الرسالات وكل الرسل ، ولذا ، فإنه يحتضن التاريخ الديني كله بفكره وقلبه ووعيه ، ليستفيد منه في مجالات الحياة وتجاربها الكبيرة والصغيرة ، وذلك هو وحي القرآن في ما يقص من أنباء الرسل وما يثبّت به القلوب والأقدام ...