الإسلامية في هذا الاتجاه ، كما لو كانت أمرا عباديّا محضا ، ليتعلم الناس أن يراقبوا الله في تفاصيل العلاقات ، كما يتعلمون أن يراقبوه في تفاصيل العبادات ، فيكون ذلك مثارا للاهتمام الفردي والاجتماعي في جوانبه الفقهية الشرعية.
(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) فإن إظهار الحق مسئولية الإنسان لإقامة العدل بمعاونة الجهات القضائية لتقوية فرص حركة العدالة في قضايا الناس. فإنه إذا امتنع عن ذلك انطلاقا من أوضاع ذاتية معقدة ، كانت الفرص أمام القضاء محدودة في الوصول إلى نتيجة جيّدة حاسمة ، مما يجعل من هذه القضية شيئا مرتبطا بالإيمان القلبي الذي يفرض على الإنسان الاهتمام بالقضايا الحيوية للمجتمع ، من موقع مسئوليته الإيمانية في ما تمثله من خط عملي في الحياة (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) لأنه يدل على الانحراف في اهتماماته وتصوراته التي تبعده عما يحبه الله ويرضاه في هذا المجال من اهتمام المؤمن بأمور المؤمنين في ما يرفع مستواهم الفردي والاجتماعي في خط العدالة ...
جاء في تفسير الكشاف ، «فإن قلت : هلا اقتصر على قوله : (فَإِنَّهُ آثِمٌ) وما فائدة ذكر القلب ، والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت : كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها ، فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه ، لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ. ألا تراك تقول ، إذا أردت التوكيد : هذا مما أبصرته عيني ، ومما سمعته أذني ، ومما عرفه قلبي ، ولأن القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ، فكأنه قيل : فقد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه ، ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط ، وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترانه ، واللسان ترجمان عنه ، ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ،