وهي لها كالأصول التي تتشعب منها ، ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر ، وهما من أفعال القلوب ، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب ، فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب (١).
وربما أريد بذلك التأكيد على عقدة الإثم الكامنة في قلبه انطلاقا من خبث ذاته التي لا تفكّر بالخير للناس ، لا سيما هؤلاء الذين ائتمنوه على الشهادة ووجدوا فيها عونا على إثبات حقوقهم ، كما رأوا فيه الإنسان الذي يؤدي الأمانة إلى أصحابها وإلى الله ، لأنها أمانة الله كما هي أمانة الناس عنده ، فقد يكون التعبير واردا في الإشارة إلى دلالة الكتمان على إثم القلب الذي يلتقي مع خبث السريرة وفساد النية وإضمار الشر للناس ؛ والله العالم.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فلا يحاول أحد منكم أن يعتذر بما لا مجال فيه للعذر في ما يكتمه الإنسان من الشهادة التي يحملها ، اعتمادا على إنكار معرفته بذلك الموضوع من جهة ، أو على وجود ظروف شرعية تمنعه من إظهار شهادته ، أو ادعاء عدم وضوح القضية بالمستوى الذي يستطيع تقرير النتائج بشكل حاسم ، فإن الله عليم بكل ما يعمله الإنسان في السر والعلن.
* * *
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٤٠٦.