تأخير في ما تقتضي المصلحة الإسراع فيه ، وذلك هو قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) ، لأنه لا ضرر عليكم من ذلك (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) كما تشهدون في حال الدّين ، لتثبت من خلال ذلك ملكيتكم للأشياء التي تشترونها ... (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) لأن الكاتب بالعدل والشاهد به ينطلقان من أمر الله الذي أراد به مصلحة الناس ، فلا يجوز لأحد الإضرار بهما ، فيما إذا كان الحق على خلاف رغبته ، ومن يفعل ذلك ، فإنه ينحرف عن خط الله الذي أمرنا بالسير عليه وجعل الانحراف عنه فسقا وضلالا وضياعا في متاهات الضلال.
وذكر بعضهم ـ كما في مجمع البيان ـ أن أصل (يضارّ) يضارر بكسر الراء الأولى عن الحسن وقتادة وعطاء وابن زيد ، فيكون النهي للكاتب والشاهد عن المضارّة ، فعلى هذا ، فمعنى المضارّة أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ويشهد الشاهد بما لم يستشهد فيه أو بأن يمتنع من إقامة الشهادة ، وقيل : الأصل فيه لا يضارر بفتح الراء الأولى عن ابن مسعود ومجاهد ، فيكون معناه : لا يكلف الكاتب الكتابة في حال عذر ولا يتفرغ إليها ولا يضيق الأمر على الشاهد بأن يدعى إلى إثبات الشهادة وإقامتها في حال عذر ولا يعنّف عليهما. قال الزجاج : والأول أبين لقوله : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) فالفاسق أشبه بغير العدل وبمن حرّف الكتاب منه بالذي دعا شاهدا ليشهد أو دعا كاتبا ليكتب وهو مشغول (١). والظاهر هو الوجه الثاني ، لأن الخطاب هو للناس الذين يطلبون الشهادة والكتابة بقرينة قوله : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ولو كان ـ على نحو المبني للفاعل ـ كما هو الوجه الأول ـ لكان من المفروض توجيه الخطاب للكاتب أو الشهيد ، إما على نحو
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٥١٤.