الآخِرَةِ أَشَدُّ وأَبْقَى) (١).
فإن قيل : فمِن علماء المذهب مَن لم يجوّز اللعن على يزيد ، مع علمهم بأن يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد؟!
قلنا : تحامياً عن أن يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى ، كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم ، فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوامّ بالكلّية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد ، وبحيث لا تزلّ الأقدام عن السواء ، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء ، وإلّا فمَن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟! وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق؟! وهذا هو السرّ في ما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال ، وسدّ طريق لا يؤمن أن يجرّ إلى الغواية في المآل ، مع علمهم بحقيقة الحال وجليّة المقال» (٢).
أقول :
إنّه ليس تحامياً عن أنْ يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى فقط ، بل لئلّا ينزل إلى الأسفل والأسفل ...
إنّهم بتحاميهم عن يزيد ومعاوية يريدون الإبقاء على حكومات الجور في أزمنتهم أيضاً ؛ ولذا رووا أنّه لمّا سأل الخليفةُ الناصر عبدَ المغيث الحنبلي عن سبب منعه من لعن يزيد ، أجابه بأنّه : لو فتحنا هذا الباب لزم لعن خليفتنا ـ يعني الناصر ـ وعَزْله عن الخلافة ... (٣).
__________________
(١) سورة طه ٢٠ : ١٢٧
(٢) شرح المقاصد ٥ / ٣١٠ ـ ٣١١
(٣) انظر : البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٠ حوادث سنة ٥٨٣ ه ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٦١ ، ذيل طبقات الحنابلة ٣ / ٢٩٩