(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (٥٨)
____________________________________
فتحة أو على أنه جمع سلفة أى ثلة قد سلفت (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) أى عظة لهم أو قصة عجيبة تسير مسير الأمثال* لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) أى ضربه ابن الزبعرى حين جادل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) حيث قال أهذالنا ولآلهتنا أو جميع الأمم فقال عليه الصلاة والسلام هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال اللعين خصمتك ورب الكعبة أليس النصارى يعبدون المسيح واليهود عزيرا وبنو مليح الملائكة فإن كان هؤلاء فى النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرح به قومه وضحكوا وارتفعت أصواتهم وذلك قوله تعالى (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ) * أى من ذلك المثل (يَصِدُّونَ) أى يرتفع لهم جلية وضجيج فرحا وجذلا وقرىء يصدون أى من أجل ذلك* المثل يعرضون عن الحق أى يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض أو يزدادون فيه وقيل هو أيضا من الصديد وهما لغتان فيه نحو يعكف ويعكف وهو الأنسب بمعنى المفاجأة (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) حكاية لطرف من المثل المضروب قالوه تمهيدا لما بنوا عليه من الباطل المموه بما يغتر به السفهاء أى ظاهر أن عيسى خير من آلهتنا فحيث كان هو فى النار فلا بأس بكوننا مع آلهتنا فيها واعلم أن ما نقل عنهم من الفرح ورفع الأصوات لم يكن لما قيل من أنه عليه الصلاة والسلام سكت عند ذلك إلى أن نزل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الآية فإن ذلك مع إيهامه لما يجب تنزيه ساحته عليه الصلاة والسلام عنه من شائبة الإفحام من أول الأمر خلاف الواقع كيف لا وقد روى أن قول ابن الزبعرى خصمتك ورب الكعبة صدر عنه من أول الأمر عند سماع الآية الكريمة فرد عليه النبى صلىاللهعليهوسلم بقوله عليهالسلام ما أجهلك بلغة قومك أما فهمت أن ما لما لا يعقل وإنما لم يخص عليهالسلام هذا الحكم بآلهتهم حين سأل الفاجر عن المخصوص والعموم عملا بما ذكر من اختصاص كلمة ما بغير العقلاء لأن إخراج بعض المعبودين عنه عند المحاجة موهم للرخصة فى عبادته فى الجملة فعممه عليهالسلام للكل لكن لا بطريق عبارة النص بل بطريق الدلالة بجامع الاشتراك فى المعبودية من دون الله تعالى ثم بين عليه الصلاة والسلام بقوله بل هم عبدوا الشياطين التى أمرتهم بذلك أن الملائكة والمسيح بمعزل من أن يكونوا معبوديهم كما نطق به قوله تعالى (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) الآية وقد مر تحقيق المقام عند قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الآية بل إنما كان ما أظهروه من الأحوال المنكرة لمحض وقاحتهم وتهالكهم على المكابرة والعناد كما ينطق به قوله تعالى (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) أى ما ضربوا لك وذلك المثل إلا لأجل الجدال والخصام لا لطلب* الحق حتى يذعنوا له عند ظهوره ببيانك (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أى لد شداد الخصومة مجبولون على* المحك واللجاج وقيل لما سمعوا قوله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب قالوا نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة فنزلت فقولهم أآلهتنا خير أم هو حينئذ