إعدادات
تفسير أبي السّعود [ ج ٨ ]
تفسير أبي السّعود [ ج ٨ ]
المؤلف :أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :271
تحمیل
٦٤ ـ سورة التغابن
(مدنية وهى ثمانى عشرة)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤)
____________________________________
(سورة التغابن مدنية مختلف فيها وآياتها ثمانى عشرة)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أى ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيها مستمرا (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) لا لغيره إذ هو المبدىء لكل* شىء وهو القائم به والمهيمن عليه وهو المولى لأصول النعم وفروعها وأما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة* إلى الكل سواء (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) أى فبعضكم أو فبعض منكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تستدعيه خلقته (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) مختار للإيمان كاسب له حسبما تقتضيه خلقته وكان الواجب عليكم جميعا أن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنكم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا وتقديم الكفر لأنه الأغلب فيما بينهم والأنسب بمقام التوبيخ وحمله على معنى فمنكم كافر مقدرة كفره موجه إليه ما يحمله عليه ومنكم مؤمن مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه مما لا يلائم المقام (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم بذلك فاختاروا منه ما يجديكم من الإيمان والطاعة* وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) بالحكمة البالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) حيث براكم فى أحسن تقويم وأودع فيكم* من القوى والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط بها عن الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعاته وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم أنموذج جميع مخلوقاته فى هذه النشأة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) * فى النشأة الأخرى لا إلى غيره استلالا أو اشتراكا فأحسنوا سرائركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية