(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٩)
____________________________________
كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بالصفات المفصلة إلا شىء يتمتع به فى الحياة الدنيا وفى معناه ما قرىء وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وقرىء بتخفيف ما على أن أن هى المخففة واللام هى الفارقة وقرىء بكسر اللام على أنها لام العلة وما موصولة قد حذف عائدها أى للذى هو متاع الخ كما فى قوله تعالى (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (وَالْآخِرَةُ) بما فيها من فنون النعم التى يقصر عنها البيان (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) * أى عن الكفر والمعاصى وبهذا تبين أن العظيم هو العظيم فى الآخرة لا فى الدنيا (وَمَنْ يَعْشُ) أى يتعام (عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) وهو القرآن وإضافته إلى اسم الرحمن للإيذان بنزوله رحمة للعالمين وقرىء* يعش بالفتح أى يعم يقال عشى يعشى إذا كان فى بصره آفة وعشا يعشو إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج وقرىء يعشو على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط والمعنى ومن يعرض عنه لفرط اشتغاله بزهرة الحياة الدنيا وانهما كه فى حظوظها الفانية والشهوات (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) * لا يفارقه ولا يزال يوسوسه ويغويه وقرىء يقيض بالياء على إسناده إلى ضمير الرحمن ومن رفع يعشو فحقه أن يرفع يقيض (وَإِنَّهُمْ) أى الشياطين الذين قيض كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو (لَيَصُدُّونَهُمْ) أى قرناءهم فمدار جمع الضميرين اعتبار معنى من كما أن مدار إفراد الضمائر السابقة اعتبار لفظها (عَنِ السَّبِيلِ) المستبين الذى يدعو إليه القرآن (وَيَحْسَبُونَ) أى العاشون (إِنَّهُمْ) أى الشياطين (مُهْتَدُونَ) * أى إلى السبيل المستقيم وإلا لما اتبعوهم أو يحسبون أن أنفسهم مهتدون لأن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما والجملة حال من مفعول يصدون بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتمالها على ضميريهما أى وإنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه وصيغة المضارع فى الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجددى لقوله تعالى (حَتَّى إِذا جاءَنا) فإن حتى وإن كانت ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية لكنها تقتضى حتما أن تكون غاية لأمر ممتد كما مر مرارا وإفراد الضمير فى جاء وما بعده لما أن المراد حكاية مقالة كل واحد واحد من العاشين لقرينه لتهويل الأمر وتفظيع الحال والمعنى يستمر العاشون على ما ذكر من مقارنة الشياطين والصدر والحسبان الباطل حتى إذا جاءنا كل واحد منهم مع قرينه يوم القيامة (قالَ) مخاطبا له (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) فى الدنيا (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أى بعد المشرق والمغرب أى تباعد كل منهما عن الآخر فغلب* المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) أى أنت وقوله تعالى (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ) الخ حكاية لما سيقال لهم حينئذ من جهة الله عزوجل توبيخا وتقريعا أى لن ينفعكم (الْيَوْمَ) أى يوم القيامة