(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٣٥)
____________________________________
وقوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) إنكار فيه تجهيل لهم وتعجيب من تحكمهم والمراد بالرحمة* النبوة (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) أى أسباب معيشتهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية* على الحكم والمصالح ولم نفوض أمرها إليهم علما منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) فى الرزق وسائر مبادى المعاش (دَرَجاتٍ) متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة* فمن ضعيف وقوى وفقير وغنى وخادم ومخدوم وحاكم ومحكوم (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) ليصرف بعضهم بعضا فى مصالحهم ويستخدموهم فى مهنهم ويتسخروهم فى أشغالهم حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى مرافقهم لا لكمال فى الموسع ولا لنقص فى المقتر ولو فوضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا فإذا كانوا فى تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنيئة وهو فى طرف الثمام على هذه الحالة فما ظنهم بأنفسهم فى تدبير أمر الدين وهو أبعد من مناط العيوق ومن أين لهم البحث* عن أمر النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بأمرها (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) أى النبوة وما يتبعها من سعادة الدارين (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا الدنيئة الفانية وقوله تعالى (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) استئناف مبين لحقارة متاع الدنيا ودناءة قدره عند الله عزوجل والمعنى أن حقارة شأنه بحيث لو لا أن لا يرغب الناس لحبهم الدنيا فى الكفر إذا رأوا أهله فى سعة وتنعم فيجتمعوا عليه لأعطيناه بحذافيره* من هو شر الخلائق وأدناهم منزلة وذلك قوله تعالى (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) أى متخذة منها ولبيوتهم بدل اشتمال من لمن وجمع الضمير باعتبار معنى من كما أن أفراد المستكن فى يكفر باعتبار لفظها والسقف جمع سقف كرهن جمع رهن وعن الفراء أنه جمع سقيفة كسفن وسفينة وقرىء سقفا بسكون القاف تخفيفا وسقفا اكتفاء بجمع البيوت وسقفا كأنه لغة فى سقف وسقوفا* (وَمَعارِجَ) أى جعلنا لهم معارج من فضة أى مصاعد جمع معرج وقرىء معاريج جمع معراج (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) أى يعلون السطوح والعلالى (وَلِبُيُوتِهِمْ) أى وجعلنا لبيوتهم (أَبْواباً وَسُرُراً) من فضة (عَلَيْها) أى على السرر (يَتَّكِؤُنَ) ولعل تكرير ذكر بيوتهم لزيادة التقرير (وَزُخْرُفاً) أى زينة* عطف على سففا أو ذهبا عطف على محل من فضة (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أى وما