(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٢٢)
____________________________________
الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) أى بر بليغ البر بهم يفيض عليهم من فنون ألطافه ما لا يكاد يناله أيدى الأفكار والظنون (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أن يرزقه كيفما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة (وَهُوَ الْقَوِيُّ) الباهر القدرة الغالب على كل شىء (الْعَزِيزُ) المنيع الذى لا يغلب (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) الحرث فى الأصل إلقاء البذر فى الأرض يطلق على الزرع الحاصل منه ويستعمل فى ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتشبيه الأعمال بالبذور أى من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة إلى سبعمائة فما فوقها (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ) * بأعماله (حَرْثَ الدُّنْيا) وهو متاعها وطيباتها (نُؤْتِهِ مِنْها) أى شيئا منها حسبما قسمنا له لا ما يريده ويبتغيه (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) إذ كانت همته مقصورة على الدنيا وقد مر تفصيله فى سورة الإسراء (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) أى بل ألهم شركاء من الشياطين والهمزة للتقرير والتقريع (شَرَعُوا لَهُمْ) بالتسويل (مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله تعالى وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) أو تماثيل من سن الضلالة لهم (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) أى القضاء السابق* بتأخير الجزاء أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أى بين الكافرين والمؤمنين أو بين المشركين وشركائهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقرىء بالفتح عطفا على كلمة الفصل أى ولو لا* كلمة الفصل وتقدير عذاب الظالمين فى الآخرة لقضى بينهم فى الدنيا فإن العذاب الأليم غالب فى عذاب الآخرة (تَرَى الظَّالِمِينَ) يوم القيامة والخطاب لكل أحد ممن يصلح له للقصد إلى أن سوء حالهم غير مختص برؤية راء دون راء (مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) من السيآت (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أى ووباله لا حق بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا والجملة حال من ضمير مشفقين أو اعتراض (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا