(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥)
____________________________________
أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) الخ بيان لكيفية كفر المشركين بالقرآن إثر بيان كيفية كفر أهل الكتاب وقرىء ورثوا وورثوا أى وإن المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من القرآن (مُرِيبٍ) موقع فى القلق أو فى الريبة ولذلك لا يؤمنون به لا لمحض البغى* والمكابرة بعد ما علموا بحقيته كدأب أهل الكتابين هذا وأما ما قيل من أن ضمير تفرقوا لأمم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن المراد تفرق كل أمة بعد نبيها مع علمهم بأن الفرقة ضلال وفساد وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيرده قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وكذا ما قيل من أن الناس كانوا أمة واحدة مؤمنين بعد ما أهلك الله تعالى أهل الأرض بالطوفان فلما مات الآباء اختلف الأبناء فيما بينهم وذلك حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين وجاءهم العلم وإنما اختلفوا للبغى بينهم فإن مشاهير الأمم المذكورة قد أصابهم عذاب الاستئصال من غير إنظار وإمهال على أن مساق النظم الكريم لبيان أحوال هذه الأمة وإنما ذكر من ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيدا لوجوب إقامته وتشديدا للزجر عن التفرق والاختلاف فيه فالتعرض لبيان تفرق أممهم عنه ربما يوهم الإخلال بذلك المرام (فَلِذلِكَ) أى فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب أو فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون (فَادْعُ) أى الناس كافة إلى إقامة ذلك الدين والعمل بموجبه فإن كلا من تفرقهم وكونهم فى شك* مريب ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبب للدعوة إليه والأمر بها وليس المشار إليه ما ذكر من التوصية والأمر بالإقامة والنهى عن التفرق حتى يتوهم شائبة التكرار وقيل المشار إليه نفس الدين المشروع واللام بمعنى إلى كما فى قوله تعالى (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أى فإلى ذلك الدين فادع (وَاسْتَقِمْ) عليه وعلى الدعوة إليه (كَما أُمِرْتَ) وأوحى إليك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) * الباطلة (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أى كتاب كان من الكتب المنزلة لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض وفيه تحقيق للحق وبيان لاتفاق الكتب فى الأصول وتأليف لقلوب أهل الكتابين وتعريض بهم وقد مر بيان كيفية الإيمان بها فى خاتمة سورة البقرة (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) فى تبليغ الشرائع والأحكام وفصل القضايا عند المحاكمة والخصام وقيل معناه لا سوى بينى وبينكم ولا آمركم بما لا أعمله ولا أخالفكم إلى ما أنها كم عنه ولا أفرق بين أكابركم وأصاغركم واللام إما على حقيقتها والمأمور به محذوف أى أمرت بذلك لأعدل أو زائدة أى أمرت أن أعدل والباء محذوفة (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أى خالقنا جميعا ومتولى أمورنا (لَنا أَعْمالُنا) لا يتخطانا جزاؤها ثوابا كان