(وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١٤)
____________________________________
توصية نوح عليهالسلام للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم دينا قديما وتوجيه الخطاب إليه عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه عليه الصلاة والسلام* (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أى دين الإسلام الذى هو توحيد الله تعالى وطاعته والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيغ أو المواظبة عليه والتشمر له ومحل أن أقيموا إما النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه أو الرفع على أنه جواب عن سؤال نشأ من إبهام المشروع كأنه قيل وما ذاك فقيل هو إقامة الدين وقيل بدل من ضمير به وليس بذاك لما أنه مع إفضائه إلى خروجه عن حيز الإيحاء إلى النبى صلىاللهعليهوسلم مستلزم لكون الخطاب فى قوله تعالى (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) للأنبياء المذكورين عليهم الصلاة والسلام وتوجيه النهى إلى أممهم تمحل ظاهر مع أن الأظهر أنه متوجه إلى أمته صلىاللهعليهوسلم وأنهم المتفرقون كما ستحيط به خبرا أى لا تتفرقوا فى الدين الذى هو عبارة عما ذكر من الأصول دون الفروع المختلفة حسب اختلاف الأمم باختلاف الأعصار كما ينطق* به قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وقوله تعالى (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) شروع فى بيان أحوال بعض من شرع لهم ما شرع من الدين القويم أى عظم وشق عليهم (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد ورفض عبادة الأصنام واستبعدوه حيث قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وقوله تعالى (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) استئناف وارد لتحقيق الحق وفيه إشعار بأن منهم من يجيب إلى الدعوة أى الله يجتلب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء أن يجتبيه إليه وهو من صرف اختياره إلى ما دعى إليه كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) أى يقبل إليه حيث يمده بالتوفيق والألطاف وقوله تعالى (وَما تَفَرَّقُوا) شروع فى بيان أحوال أهل الكتاب عقيب الإشارة الإجمالية إلى أحوال أهل الشرك قال ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود والنصارى لقوله تعالى (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أى وما تفرقوا فى الدين الذى دعوا إليه ولم يؤمنوا كما* آمن بعضهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بحقيته بما شاهدوا فى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه فى كتابهم أو العلم بمبعثه صلىاللهعليهوسلم وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أو من أعم الأوقات أى وما تفرقوا فى حال من الأحوال أو فى وقت من الأوقات إلا حال مجىء العلم أو إلا وقت مجىء العلم (بَغْياً بَيْنَهُمْ) وحمية وطلبا للرياسة لا لأن لهم فى ذلك شبهة (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهى العدة بتأخير العقوبة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لأوقع القضاء بينهم باستئصالهم لاستيجاب جناياتهم لذلك قطعا وقوله تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ