(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٢٩)
____________________________________
أمور الآخرة والأولى جميعا به تعالى مقتض لانتفاء أن يكون له أمر من الأمور وقوله تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) إقناط لهم عما علقوا به أطماعهم من شفاعة الملائكة لهم موجب لإقناطهم من شفاعة الأصنام بطريق الأولوية وكم خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء والخبر هى الجملة المنفية وجمع الضمير فى شفاعتهم مع إفراد الملك باعتبار المعنى أى وكثير من الملائكة* لا تغنى شفاعتهم عند الله تعالى شيئا من الإغناء فى وقت من الأوقات (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) لهم* فى الشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ) أن يشفعوا له (وَيَرْضى) ويراه أهلا للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم من إذن الله تعالى بمعزل ومن الشفاعة ألف منزل فإذا كان حال الملائكة فى باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وبما* فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصى (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ) المنزهين عن سمات النقصان* على الإطلاق يسمون كل واحد منهم (تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) فإن قولهم الملائكة بنات الله قول منهم بأن كلا منهم بنته سبحانه وهى التسمية بالأنثى وفى تعليقها بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها فى الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة فى الآخرة بحيث لا يجترىء عليها إلا من يؤمن بها رأسا وقوله تعالى (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) حال من فاعل يسمون أى يسمونهم والحال أنه لا علم لهم بما يقولون أصلا* وقرىء بها أى بالملائكة أو بالتسمية (إِنْ يَتَّبِعُونَ) فى ذلك (إِلَّا الظَّنَّ) الفاسد (وَإِنَّ الظَّنَّ) أى* جنس الظن كما يلوح به الإظهار فى موقع الإضمار (لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) من الإغناء فإن الحق الذى هو عبارة عن حقيقة الشىء لا يدرك إلا بالعلم والظن لا اعتداد به فى شأن المعارف الحقيقية وإنما يعتد به فى العمليات وما يؤدى إليها (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) أى عنهم ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوسل به إلى وصفهم بما فى حيز صلته من الأوصاف القبيحة وتعليل الحكم بها أى فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم اليقينى وهو القرآن المنطوى على علوم الأولين والآخرين المذكر لأمور الآخرة أو عن ذكرنا كما ينبغى فإن ذلك مستتبع لذكر الآخرة وما فيها من الأمور المرغوب* فيها والمرهوب عنها (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) راضيا بها قاصرا نظره عليها والمراد النهى عن دعوته والاعتناء بشأنه قال من أعرض عما ذكر وانهمك فى الدنيا بحيث كانت هى منتهى همته وقصارى سعيه