(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٣١)
____________________________________
لا تزيده الدعوة إلى خلافها إلا عنادا وإصرارا على الباطل (ذلِكَ) أى ما أداهم إلى ما هم فيه من التولى وقصر الإرادة على الحياة الدنيا (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) لا يكادون يجاوزونه إلى غيره حتى تجديهم الدعوة* والإرشاد وجمع الضمير فى مبلغهم باعتبار معنى من كما أن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) تعليل للأمر بالإعراض* وتكرير قوله تعالى (هُوَ أَعْلَمُ) لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من أصر عليه ولم يرجع إلى الهدى أصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتداء فى الجملة أى هو المبالغ فى العلم بمن لا يرعوى عن الضلال أبدا وبمن يقبل الاهتداء فى الجملة لا غيره فلا تتعب نفسك فى دعوتهم فإنهم من القبيل الأول وفى تعليل الأمر بإعراضه عليهالسلام عن الاعتناء بأمرهم باقتصار العلم بأحوال الفريقين عليه تعالى رمز إلى أنه تعالى يعاملهم بموجب علمه بهم فيجزى كلا منهم بما يليق به من الجزاء ففيه وعيد ووعد ضمنا كما سيأتى صريحا (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أى خلقا وملكا لا لغيره أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا وقوله تعالى (لِيَجْزِيَ) الخ متعلق بما دل عليه أعلم الخ وما بينهما* اعتراض مقرر لما قبله فإن كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى ويحفظهما ليجزى (الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) أى* بعقاب ما عملوا من الضلال الذى عبر عنه بالإساءة بيانا لحاله أو بسبب ما عملوا (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) * أى اهتدوا (بِالْحُسْنَى) أى بالمثوبة الحسنى التى هى الجنة أو بسبب أعمالهم الحسنى وقيل متعلق بما دل* عليه قوله تعالى (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كأنه قيل خلق ما فيهما ليجزى الخ وقيل متعلق بضل واهتدى على أن اللام للعاقبة أى هو أعلم بمن ضل ليؤول أمره إلى أن يجزيه الله تعالى بعمله وبمن اهتدى ليؤول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى وفيه من البعد ما لا يخفى وتكرير الفعل لإبراز كمال الاعتناء بأمر الجزاء والتنبيه على تباين الجزاءين.