(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٢)
____________________________________
إِذا ما جاؤُها) أى جميعا غاية ليحشر أو ليوزعون أى حتى إذا حضروها وما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فى الدنيا من فنون الكفر والمعاصى بأن ينطقها الله تعالى أو يظهر عليها آثار ما اقترفوا بها وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن المراد بشهادة الجلود شهادة الفروج وهو الأنسب بتخصيص السؤال بها فى قوله تعالى (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) فإن ما تشهد به من الزنا أعظم جناية وقبحا وأجلب للخزى والعقوبة مما يشهد به السمع والأبصار من الجنايات المكتسبة بتوسطهما وقيل المراد بالجلود الجوارح أى سألوها سؤال توبيخ لما روى أنهم قالوا لها فعنكن كنا نناضل وفى رواية بعدا لكن* وسحقا عنكن كنت أجادل وصيغة جمع العقلاء فى خطاب الجلود وفى قوله تعالى (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) لوقوعها فى موقع السؤال والجواب المختصين بالعقلاء أى أنطقنا الله الذى أنطق وأقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما عملتم بواسطتنا من القبائح وما كتمناها وقيل ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء وليس بذاك لما فيه من إيهام الاضطرار فى الأخبار وقيل سألوها سؤال تعجب فالمعنى حينئذ ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذى أنطق كل* حى (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فإن من قدر على خلقكم وإنشائكم أولا وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه ثانيا لا يتعجب من انطاقه لجوارحكم ولعل صيغة المضارع مع أن هذه المحاورة بعد البعث والرجع لما أن المراد بالرجع ليس مجرد الرد إلى الحياة بالبعث بل ما يعمه وما يترتب عليه من العذاب الخالد المترقب عند التخاطب على تغليب المتوقع على الواقع على أن فيه مراعاة الفواصل وقوله تعالى (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) حكاية لما سيقال لهم يومئذ من جهته تعالى بطريق التوبيخ والتقريع تقريرا لجواب الجلود أى ما كنتم تستترون فى الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك كما كنتم تستترون* من الناس مخافة الافتضاح عندهم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء رأسا (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) من القبائح المخفية فلا يظهرها فى الآخرة ولذلك اجترأتم على ما فعلتم وفيه إيذان بأن شهادة الجوارح بأعلامه تعالى حبنئذ لا بأنها كانت عالمة بما شهدت به عند صدوره عنهم. عن ابن مسعود رضى الله عنه كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشى أو قرشيان وثقفى فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن