(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ(٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢٦)
____________________________________
أخفينا فذكرت ذلك للنبى صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) الآية فالحكم المحكى حينئذ يكون خاصا بمن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة ولعل الأنسب أن يراد بالظن معنى مجازى يعم معناه الحقيقى وما يجرى مجراه من الأعمال المنبئة عنه كما فى قوله تعالى (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) ليعم ما حكى من الحال جميع أصناف الكفرة فتدبر (وَذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من ظنهم وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية بعد منزلته فى الشر والسوء وهو مبتدأ وقوله تعالى (ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) خبران له ويجوز أن يكون ظنكم بدلا وأرداكم خبرا (فَأَصْبَحْتُمْ) بسبب ذلك الظن السوء الذى أهلككم (مِنَ الْخاسِرِينَ) إذ صار ما منحوا لنيل سعادة الدارين سببا لشقاء النشأتين (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أى محل ثواء وإقامة أبدية لهم بحيث لا براح لهم منها والالتفات إلى الغيبة للإيذان باقتضاء حالهم أن يعرض عنهم ويحكى سوء حالهم لغيرهم أو للإشعار بإبعادهم عن حيز الخطاب وإلقائهم فى غاية دركات النار (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) أى يسألوا العتبى وهو الرجوع إلى ما يحبونه جزعا مما هم فيه (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) * المجابين إليها ونظيره قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) وقرىء وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أى إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة (وَقَيَّضْنا لَهُمْ) أى قدرنا وقرنا للكفرة فى الدنيا (قُرَناءَ) جمع قرين أى أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة للمعاوضة (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) * من أمور الدنيا واتباع الشهوات (وَما خَلْفَهُمْ) من أمور الآخرة حيث أروهم أن لا بعث ولا حساب ولا مكروه قط (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أى ثبت وتقرر عليهم كلمة العذاب وتحقق موجبها ومصداقها* وهو قوله تعالى لإبليس (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وقوله تعالى (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) كما مر مرارا (فِي أُمَمٍ) حال من الضمير المجرور أى كائنين* فى جملة أمم وقيل فى بمعنى مع وهذا كما ترى صريح فى أن المراد بأعداء الله تعالى فيما سبق المعهودون من عاد وثمود لا الكفار من الأولين والآخرين كما قيل (قَدْ خَلَتْ) صفة لأمم أى مضت (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على الكفر والعصيان كدأب هؤلاء (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير للأولين والآخرين (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من رؤساء المشركين لأعقابهم أو قال