إلى الفرس ليس عليه أحد ، رفعن أصواتهنّ بالصراخ والعويل ، ووضعت أمّ كلثوم يدها على أم راسها ، ونادت : وا محمّداه! وا جداه! وا نبياه! وا أبا القاسماه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! وا حسناه! هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، ثمّ غشي عليها ، وأقبل الأعداء حتى أحدقوا بالخيمة ، ومعهم شمر بن ذي الجوشن ، فقال : ادخلوا فاسلبوا بزّتهن. فدخل القوم فأخذوا كلّ ما كان بالخيمة حتى أفضوا إلى قرط كان في اذن أمّ كلثوم ـ اخت الحسين ـ فأخذوه وخرموا اذنها ، حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تغلب عليه. وأخذ قيس بن الأشعث قطيفة للحسين ، كان يجلس عليها ، فسمي لذلك : «قيس قطيفة» ، وأخذ نعليه رجل من الأزد ، يقال له : «الأسود» ، ثمّ مال الناس على الورس والخيل والإبل فانتهبوها.
قال : حميد بن مسلم : انتهيت إلى علي بن الحسين ، وهو مضطجع على فراش له وهو مريض ، وإذا شمر مع رجال ، يقولون له : ألا نقتل هذا المريض؟ فقلت له : سبحان الله! ما معنى قتل المرضى من الصبيان؟ وما زلت به ادافع عنه حتى جاء عمر بن سعد ، فقال : ألا لا يدخلنّ أحد بيوت هذه النسوة ، ولا يتعرض لهذا الغلام المريض أحد ، ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده.
قال : فو الله ، ما ردّ واحد منهم شيئا غير أنهم كفوا ، فقال لي عليّ بن الحسين : جزيت من رجل خيرا ، فقد رفع الله عني بمقالتك شرّ هؤلاء ، وقال عبيد الله بن عمار : رأيت على الحسين سراويل تلمع ساعة قتل ، فجاء أبجر ابن كعب فسلبه وتركه مجرّدا.
وذكر محمد بن عبد الرحمن : إنّ يدي أبجر بن كعب كانتا ينضحان