فحمله الفرس إلى عسكر عدوّه ، فقطعوه بأسيافهم إربا إربا ، فلما بلغت روحه التراقي ، نادى بأعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول لك : العجل فإنّ لك كأسا مذخورة ، فصاح الحسين : «قتل الله قوما قتلوك ، يا بني! ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلىاللهعليهوآله؟! على الدنيا بعدك العفا».
قال حميد بن مسلم : لكأني أنظر الى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس طالعة ، تنادي بالويل والثبور ، تصيح : وا حبيباه! وا ثمرة فؤاداه! وا نور عيناه! فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت علي ، ثم جاءت حتى انكبت عليه ، فجاء إليها الحسين حتى أخذ بيدها ، وردّها إلى الفسطاط ، ثم أقبل مع فتيانه إلى ابنه فقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه حتى وضعوه عند الفسطاط الذي يقاتلون أمامه.
قال : وخرج غلام من تلك الأبنية في اذنيه قرطان ، وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان ، فحمل هاني بن بعيث فقتله ، ثم التفت الحسين عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال ، فخرج علي بن الحسين وهو زين العابدين وهو أصغر من أخيه عليّ القتيل ، وكان مريضا ، وهو الذي نسل آل محمد عليهمالسلام (١) فكان لا يقدر على حمل سيفه ، وأمّ كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع! فقال : «يا عمتاه! ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول الله» ، فقال الحسين : «يا أمّ كلثوم! خذيه ورديه ، لا تبق الأرض خالية من نسل آل محمد» ، ولما فجع بأهل بيته وولده ولم يبق غيره وغير النساء والأطفال وغير ولده المريض ، نادى : «هل من ذابّ يذب عن حرم رسول
__________________
(١) ـ يعني أن نسل الحسين منه ، فان أولاده لم يبق منهم سواه.