ثم صاح الحسين بعمر بن سعد : «مالك! قطع الله رحمك ، ولا بارك الله في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله» ثم رفع صوته وقرأ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل عمران / ٣٣».
ثم حمل علي بن الحسين وهو يقول :
أنا عليّ بن الحسين بن علي |
|
نحن وبيت الله أولى بالنبي |
والله ، لا يحكم فينا ابن الدّعي |
|
أطعنكم بالرمح حتى ينثني |
أضربكم بالسيف حتى يلتوي |
|
ضرب غلام هاشمي علوي |
فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ، حتى أنه روي : أنه على عطشه قتل مائة وعشرين رجلا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبة! العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين وقال : «يا بني! عزّ على محمد ؛ وعلى علي ؛ وعلى أبيك ، أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يا بني! هات لسانك» ، فأخذ لسانه فمصه ، ودفع إليه خاتمه ، وقال له : «خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا» ، فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول :
الحرب قد بانت لها حقائق |
|
وظهرت من بعدها مصادق |
والله ، ربّ العرش لا نفارق |
|
جموعكم أو تغمد البوارق |
وجعل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس