على بصيرة ويقين.
فحمل على أهل الشام ، وحمل أصحابه وكانوا قريبا من مائتي رجل فلم يزالوا يقاتلون حتى قتلوا عن آخرهم ؛ فتقدم صحير بن حذيفة المولى وكان من خيار أهل الكوفة وزهادهم ومعه نيف وثلاثون رجلا من بني عمه ، فقال : يا قوم! لا تهابوا الموت فإنه لاقيكم ، ولا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها فإنها لا تبقى لكم ، ولا تزهدوا فيما دعيتم إليه من ثواب ربكم ، فما عند الله خير وأبقى ، ثم حمل أمام قومه وهو يقول :
بؤسا لقوم قتلوا حسينا |
|
بؤسا وتعسا لهم وحينا |
ارضوا يزيد ثم لاقوا شينا |
|
ولم يخافوا بغيهم علينا |
فقاتل هو وقومه من عشيرته حتى قتلوا ولم يبق منهم إلّا رجل كان يقاتلهم بشدّة يتقونه منها ، فقالوا له : ويلك من أنت فقد أعجزتنا؟ فقال : الويل لكم أنا من بني آدم! وحمل عليهم وهو يقول :
إني الى الله من الذنب أفر |
|
ولا ابالي كلّ ما كان قدر |
أنوي ثواب الله فيما قد أثر |
|
وأضرب القرن بمصقول بتر |
ثم حمل عليهم فأحدقوا به فقتل ، فعرفه رجل من أهل الشام وقال : ويحكم! هذا عبد الله بن عبيد الرافعي ، فارس مزينة قاطبة.
قال ولما هجم الليل عليهم قام رفاعة بن شداد ، فقال : يا أهل العراق! إنكم قد علمتم أنا وافينا هذا الموضع ونحن ثلاثة آلاف ومائة رجل ، ووافانا أهل البصرة والمدائن في أربعمائة وسبعين رجلا ، وقد بقي منا سبعمائة رجل ، فإن صبحنا القوم غدا فقاتلناهم لم يبق منا أحد ، وإنما أنا رجل منكم ، وقد أحببت أن أرزق الشهادة وألحق بإخواني ، وقد أبت المقادير ذلك ، فهاتوا آراءكم وتكلموا بما عندكم.