فقال القوم : رأينا لك تبع ، والرأي أن نتنحى من بين أيديهم ، فإنه لا طاقة لنا بهم ، واخرى أنهم عرفوا حربنا فلا يتبعونا ، ونحن نرجو ان يتحرك المختار فيكفينا إياهم بعد هذا ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
فعزموا على التنحي ، ودفنوا قتلاهم ليلا ، وسووا عليهم الأرض كيلا يعرفوا وينبشون وتؤخذ رءوسهم ، ثم إنهم ساروا ليلا وأصبح أهل الشام فلم يروا منهم أحدا ، فأخبروا الحصين بن نمير فلم يبعث خلفهم أحدا ، وكتب بذلك الى ابن زياد بالرقة ، ورجعوا إلى الرقة ، وسار أهل العراق حتى صاروا إلى قرقيسيا ، فأخرج لهم زفر من الطعام واللحم وغيره مما يحتاجون إليه كما أخرج أوّلا ، وأرسل إليهم الأطباء فداووهم من جراحاتهم ، فأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى استراحوا ثم ساروا الى هيت ، وقد مات منهم جماعة ، ثم خرجوا يريدون الكوفة فما بلغوها إلا وهم خمسمائة أو أقل ، فخرج عبد الله بن يزيد الأمير ، فعزاهم عن إخوانهم ، وخرج إليهم المختار فعزاهم ، وقال لهم : ابشروا فقد قضيتم ما عليكم وبقي ما علينا ، ولن يفوتنا ما بقي منهم إن شاء الله ، ولئن أخر الله لي الأجل لأخذت ثأركم وثأر إخوانكم عن قريب ، فلا تعجلوا فإن الله مع الصابرين.