الله يا مسلم! (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) الأحزاب / ٢٣ ، ودنا منه حبيب بن مظاهر ، فقال له : عزّ والله ، عليّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنة. فقال قولا ضعيفا : بشرك الله بخير ، فقال له حبيب : لو لا أني أعلم أني لا حقّ بك في أثرك من ساعتي هذه ، لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمّك ، حتى أحفظك في ذلك ، لما أنت أهله في القرابة والدين ، فقال له : بلى ، اوصيك بهذا رحمك الله ، ـ وأومأ إلى الحسين ـ أن تموت دونه. فقال له : أفعل وربّ الكعبة ، فما أسرع من أن مات ، فصاحت جارية له : يا سيداه! يا بن عوسجتاه! فنادى أصحاب عمر بن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم امهاتكم! أما أنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلون عزّكم ، أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم ، والله ، لقد رأيته يوم «آذربيجان» قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين.
قال : ثمّ حمل شمر بن ذي الجوشن فثبتوا له ، وقاتل أصحاب الحسين قتالا شديدا ، وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا ، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلّا كشفوه ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة ، فأقبلوا حتى دنوا من الحسين وأصحابه ، فرشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم ، وقاتلوهم حتى انتصف النهار ، واشتد القتال ، ولم يقدر أصحاب ابن سعد أن يأتوهم إلّا من جانب واحد ، لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض. فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوّضوا الأبنية من عن شمائلهم وأيمانهم ليحيطوا بها ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون بينها فيشدون على الرجل وهو يقوّض وينتهب ،