ثم ضرب فرسه ، ولحق بالحسين مع غلامه التركي ، فقال : يا ابن رسول الله! جعلني الله فداك ، إني صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلّا هو ، ما ظننت القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ، ولا يبلغون بك هذه المنزلة ، وإني لو سوّلت لي نفسي أنهم يقتلونك ما ركبت هذا منك ، وإني قد جئتك تائبا إلى ربي مما كان مني ، ومواسيك بنفسي حتى أموت بين يديك ، أفترى ذلك لي توبة؟
قال : «نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، ما اسمك»؟ قال : أنا الحرّ ، قال : «أنت الحر كما سمتك امك ، أنت الحرّ في الدنيا والآخرة ؛ انزل» ، فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا ، اقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير أمري. ثم قال : يا ابن رسول الله! كنت أوّل خارج عليك ، فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك ، فلعلي أن أكون ممن يصافح جدّك محمدا غدا في القيامة. فقال له الحسين عليهالسلام : «إن شئت فأنت ممن تاب الله عليه ، وهو التواب الرحيم» ، فكان أول من تقدّم إلى براز القوم ، الحرّ بن يزيد الرياحي ، فأنشد في برازه :
إني أنا الحرّ ومأوى الضيف |
|
أضرب في أعناقكم بالسيف |
عن خير من حلّ بوادي الخيف |
|
أضربكم ولا أرى من حيف |
وروي : أنّ الحر لما لحق بالحسين عليهالسلام ، قال رجل من بني تميم ، يقال له يزيد بن سفيان : أما والله ، لو لقيت الحر حين خرج لأتبعته السنان ، فبينا هو يقاتل ، وإنّ فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبه ، وإن الدماء لتسيل ، إذ قال الحصين بن نمير : يا يزيد! هذا الحرّ الذي كنت تتمناه ، فهل لك به؟ قال : نعم ، وخرج إليه ، فما لبث الحرّ أن قتله وقتل أربعين فارسا وراجلا ، ولم