رسل القوم ـ يعني السهام ـ ، ثمّ قال : «اشتدّ غضب الله على اليهود والنصارى إذ جعلوا له ولدا ، واشتدّ غضب الله على المجوس إذ عبدت الشمس والقمر والنّار من دونه ، واشتدّ غضب الله على قوم اتّفقت آراؤهم على قتل ابن بنت نبيهم ، والله ، لا أجيبهم إلى شيء مما يريدونه أبدا ، حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي» ثم صاح عليهالسلام : «أما من مغيث يغيثنا لوجه الله تعالى؟ أما من ذاب يذبّ عن حرم رسول الله»؟
فلمّا سمع الحر بن يزيد هذا الكلام ، اضطرب قلبه ، ودمعت عيناه ، فخرج باكيا متضرعا ، مع غلام له تركي ، وكان كيفية انتقاله الى الحسين ، أنّه لما سمع هذا الكلام من الحسين أتى إلى عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله! قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس ، وتطيح الأيدي ، فقال : أما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟ فقال : والله ، لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل الحر حتى وقف عن النّاس جانبا ومعه رجل من قومه ، يقال له : قرّة بن قيس ، فقال له : يا قرة! هل سقيت فرسك اليوم ماء؟ قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟ قال قرّة : فظننت ، والله ، أنّه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، ويكره أن أراه يصنع ذلك مخافة أن أرفع عليه ، فقلت له : لم أسقيه وأنا منطلق فأسقيه.
قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه والله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ، فأخذ يدنو قليلا قليلا ، فقال له رجل من قومه : يا أبا يزيد! إنّ أمرك لمريب ، فما الذي تريد؟ قال : والله ، إني اخير نفسي بين الجنّة والنار ، وو الله ، لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطعت وحرقت.