ولا ظمآن إلّا روى ، ولا سقيم إلّا برأ ، ولا ذو حاجة وفاقة الّا استغنى ، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة الّا سمنت ودرّ لبنها ، ورأينا النماء والبركة فى أموالنا منذ يوم نزل ، وأخصبت بلدنا ، وأمرعت.
فكنّا نسمّى تلك الشجرة «المباركة» وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادى يستظلّون بها ، ويتزوّدون من ورقها فى الأسفار ويحملون معهم فى الارض القفار ، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب ، فلم تزل كذلك وعلى ذلك أصحابنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها ، واصفرّ ورقها فأحزننا ذلك وفرقنا له ، فما كان إلّا قليل حتّى جاء نعى رسول الله فاذا هو قد قبض ذلك اليوم فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك فى العظم والطعم والرائحة فأقامت على ذلك ثلاثين سنة.
فلمّا كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تشوّكت من أوّلها الى آخرها ، فذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها ، فما كان إلّا يسيرا حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليهالسلام فما أثمرت بعد ذلك لا قليلا ولا كثيرا ، وانقطع ثمرها ولم نزل من حولنا نأخذ من ورقها ونداوى مرضانا بها ، ونستشفى به من أسقامنا ، فأقامت على ذلك برهة طويلة ثمّ أصبحنا ذات يوم فاذا بها قد انبعثت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابلة تقطر دما كماء اللّحم ، فقلنا أن : قد حدث عظيمة ، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الداهية ، فلمّا أظلم اللّيل علينا سمعنا بكاء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة ورجّة ، وسمعنا صوت باكية تقول :
أيا ابن النبيّ وابن الوصىّ |
|
ويا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا |
ثمّ كثرت الزنّات والأصوات ، قلم نفهم كثيرا ممّا كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليهالسلام ويبست الشجرة وجفّت وكسرتها الرّياح والأمطار بعد ذلك ، فذهبت واندرس أثرها ، قال عبد الله بن محمّد الأنصاري : فلقيت دعبل بن علىّ الخزاعىّ ، بمدينة الرسول فحدّثته بهذا الحديث فلم ينكره وقال : حدّثنى أبى