ابن زياد : كأنّك ترجو البقاء ، فقال له مسلم : فان كنت مزمعا على قتلى ، فدعنى أوص الى بعض من هاهنا من قومى ، قال له : أوص بما شئت. فنظر الى عمر بن سعد ابن أبى وقّاص ، فقال له : اخل معى فى طرف هذا البيت ، حتّى أوصى إليك ، فليس فى القوم أقرب الىّ ولا أولى بى منك.
فتنحّى معه ناحية ، فقال له : أتقبل وصيّتى؟ قال : نعم ، قال مسلم ، انّ علىّ هاهنا دينا ، مقدار ألف درهم ، فاقض عنّى ، وإذا أنا قتلت فاستوهب من ابن زياد جثّتى لئلا يمثّل بها ، وابعث الى الحسين بن علىّ رسولا قاصدا من قبلك ، يعلمه حالى ، وما صرت إليه من غدر هؤلاء الذين يزعمون أنّهم شيعته ، وأخبره بما كان من نكثهم بعد أن بايعنى منهم ثمانية عشر ألف رجل ، لينصرف الى حرم الله ، فيقيم به ، ولا يغترّ بأهل الكوفة.
قد كان مسلم كتب الى الحسين أن يقدم ولا يلبث ، فقال له عمر بن سعد : لك علىّ ذلك كلّه ، وأنابه زعيم ، فانصرف الى ابن زياد ، فأخبره بكلّ ما أوصى به إليه مسلم ، فقال له ابن زياد : قد أسأت فى افشائك ما أسرّه إليك ، وقد قيل انّه لا يخونك الّا الأمين ، وربما ائتمنك الخائن.
أمر ابن زياد بمسلم فرقى به الى ظهر القصر ، فاشرف به على الناس ، وهم على باب القصر ممّا يلى الرحبة ، حتّى اذا رأوه ضربت عنقه هناك ، فسقط رأسه الى الرّحبة ، ثمّ اتبع الرأس بالجسد ، وكان الّذي تولّى ضرب عنقه أحمر بن بكير. وفى ذلك يقول عبد الرحمن بن الزبير الاسدى :
فان كنت لا تدرين ما الموت فانظرى |
|
الى هانئ فى السوق وابن عقيل |
الى بطل قد هشم السيف أنفه |
|
وآخر ، يهوى من طمار ، قتيل |
أصابهما ريب الزمان ، فأصبحا |
|
أحاديث من يسعى بكلّ سبيل |
ترى جسدا قد غيّر الموت لونه |
|
ونضح دم قد سال كلّ مسيل |