قال : وجاء ابن الكردية هذا إلى البصرة ففعل ما فعله بالكوفة ، وجعل يفرق الأموال في الشيعة حتى ذكروا له حاضرا وأحمد بن عيسى ، فتغافل عنهم ، ثم أعادوا ذكره بعد ذلك فتعرض لهم بذكره ولم يستقصه ، ثم عاودوه فقال لهم : إني أحب أن ألقى هذا الرجل ، فقالوا له : لا سبيل إلى ذلك. قال : فاحملوا إليه مالا يستعين به ، وأعلموه أني لو قدرت على أن أعطيه جميع مال السلطان لفعلت ، فأخذوا المال وحملوه إلى حاضر فقبله ، وجعل ابن الكردية يتابع الأموال إلى حاضر بعضها ببعض حتى أنسوا به واطمأنوا إليه ، فقال لهم يوما : ألا يجيئنا هذا الشيخ؟ فقالوا له : لا يمكن ذلك. قال : فليأذن لنا نأته نحن. قالوا : نسأله ذلك ، فأتوه وسألوه إيّاه فقال : لا والله لا آذن له أبدا ، ويحكم ألا تنتهون؟ هذا والله محتال : فقالوا له : لا والله ما هو بمحتال. فلم يزالوا به حتى أجابهم إلى أن تلقاه ، فلما كان الليل قال لأحمد بن عيسى : قم فاخرج إلى موضع آخر ، فإن ابتليت سلمت أنت ، فخرج أحمد ، وبعث ابن الكردية إلى أحمد بن الحرث الهلالي (١) ، وكان أمير البصرة يأمره أن يبعث بالرجال إليه ليهجموا عليه حيث يدخل ، ومضى هو حتى أتى الدار ، وبعث بغلامه حتى جاء معه بالرجال فهجموا على حاضر ، فقال لابن الكردية : ويلك غررتني بالله. قال : ما فعلت ، ولعلّ السلطان أن يكون قد بلغه خبرك. فأخذ فأتى به محمد بن الحارث فحبسه ليلته ، فلما كان من غد اجتمع الناس إليه ، وأمر من أتاه بحاضر فجيء به فقال له : اتق الله في دمي ، فو الله ما قتلت نفسا ، ولا أخفت السبيل ، فسمعته يقول : جاءوا بحاضر ولا أعلمه صاحبي الذي كان يجالسني ، ويذكر أنه مستتر من غرمائه ، فأدخل عليه ، فخشيت أن يلحقني ما لا أحب ، فنظر إليّ نظرة فتوقعت أن يكلمني أو يستشهدني كما يفعل المستغيث فما فعل من ذلك شيئا ، إنما لحظني لحظة ثم حول وجهه عني كأنه لم يعرفني قط ، فقال له محمد بن الحرث : إن أمير المؤمنين غير متهم عليك ، فحمله إليه. فأتى به هارون الرشيد وهو في الشماسية ، فأحضره وأحضر الحازمي رجلا من ولد عبد الله بن حازم ، وكان قد أخذ له بيعة ببغداد فوقعت في يد الرشيد فبدأ به ، ثم قال : جئت من خراسان إلى دار مملكتي تفسد عليّ أمري وتأخذ بيعة؟.
قال : ما فعلت يا أمير المؤمنين.
__________________
(١) في الخطية «محمد بن حرب الهمذاني».