فترك محمد ما أشار به عبد الحميد وأقام.
قال المدائني : وأقبل عيسى بن موسى إلى المدينة ، فكان أول من لقيهم إبراهيم بن جعفر الزبيري على بنية وأقم ، فعثر فرسه فسقط وقتل.
وسلك عيسى بطن فراة حتى ظهر على الجرف ، فنزل قصر سليمان بن عبد الملك صبيحة اثنتي عشرة ليلة من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة يوم السبت ، وأراد أن يؤخر القتال حتى يفطر ، فبلغه أن محمدا يقول : إن أهل خراسان على بيعتي وحميد بن قحطبة قد بايعني ، ولو قدر أن ينفلت فلت. فعاجلهم عيسى بالقتال ، فلم يشعر أهل المدينة يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان إلّا بالخيل قد أحاطت بهم حين أسفروا ، وقال لحميد : أراك مداهنا ، وأمره بالتجرد لقتال محمد ، فتولى قتال عيسى بن موسى في ذلك اليوم عيسى بن زيد ، ومحمد جالس بالمصلى ، واشتد الأمر بينهم ، ثم جاء محمد فباشر القتال بنفسه ، فكان إزاء محمد ـ عليه السلام ـ حميد بن قحطبة ، وبإزاء يزيد وصالح ابني معاوية بن عبد الله بن جعفر كثير بن حصين ، وكان محمد بن أبي العباس ، وعقبة بن مسلم بإزاء جهينة. فأرسل صالح ويزيد إلى كثير يطلبان الأمان ، فاستأذن عيسى فقال : لا أمان لهما عندي ، فأعلمهما فهربا. فاقتتلوا إلى الظهر ، ورماهم أهل خراسان بالنشاب ، وأكثروا فيهم الجراح ، وتفرقوا عن محمد ، فأتى دار مروان فصلّى الظهر فيها ، فاغتسل وتحنط. فقال عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة : إنه لا طاقة لك بمن ترى ، فالحق بمكة. قال : لو خرجت من المدينة وفقدوني لقتلوا أهل المدينة كقتل أهل الحرة ، وأنت مني في حل يا أبا جعفر ، فاذهب حيث شئت (١).
أخبرني عمر بن عبد الله ، قال : حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني هشام بن محمد بن عروة بن هشام بن عروة ، عن ماهان بن بحر. وحدثني مخلد بن يحيى الباهلي ، عن قتيبة بن معن ، عن الفضيل (٢) بن سليمان النميري ، عن أخيه ، وكان مع محمد ، قال :
__________________
(١) الطبري ٩ / ٢٢٤.
(٢) في الطبري «الفضل».