وأفظك ، وأقسى قلبك ، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم ، والخلود في نار جهنم ، ثم جلس وتساند إلى الحائط.
قال أبو مخنف : فحدّثني أبو قدامة بن سعد أن عمرو بن حريث بعث غلاما له يدعى سليما فأتاه بماء في قلة فسقاه. قال وحدثني مدرك بن عمارة : أن عمارة بن عقبة بعث غلاما يدعى نسيما فأتاه بماء في قلة عليها منديل وقدح معه ، فصب فيه الماء ثم سقاه ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دما ، فأخذ لا يشرب من كثرة الدم ، فلما ملأ القدح ثانية ذهب يشرب ، فسقطت ثنيتاه في القدح ، فقال : الحمد لله ، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته.
قال : ثم أدخل على عبيد الله بن زياد (١) ـ لعنه الله ـ فلم يسلم عليه ، فقال له الحرس : ألا تسلم على الأمير؟ فقال : إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه. فقال له عبيد الله ـ لعنه الله ـ : لتقتلن. قال : أكذلك؟ قال : نعم. قال : دعني إذا أوصي إلى بعض القوم. قال : أوص إلى من أحببت. فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد ، وفيهم عمر بن سعد ؛ فقال : يا عمر ، إن بيني وبينك قرابة دون هؤلاء ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي ، وهي سرّ ، فأبى أن يمكنه من ذكرها ، فقال له عبيد الله بن زياد : لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك ، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد ـ لعنه الله ـ ، فقال له ابن عقيل : إن عليّ بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها تقضيه عنّي حتى يأتيك من غلّتي بالمدينة ، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسين من يرده. فقال عمر لابن زياد : أتدري ما قال؟ قال : اكتم ما قال لك ، قال : أتدري ما قال لي؟ قال : هات ، فإنه لا يخون الأمين ، ولا يؤتمن الخائن. قال : كذا وكذا ، قال : أما مالك فهو لك ، ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده ، وإن أرادنا لم نكفّ عنه ، وأما جثته فإنا لا نشفعك فيها ، فإنه ليس لذلك منا بأهل ، وقد خالفنا وحرص على هلاكنا.
__________________
(١) ابن الأثير ٤ / ١٥ ومقتل الحسين ٣٦ والطبري ٦ / ٢١٢ والإرشاد ١٩٦.