البكري ، قال :
أشرف علينا الأشراف ، وكان أوّل من تكلّم كثير بن شهاب. فقال (١) :
أيها الناس ، ألحقوا بأهاليكم ، ولا تعجلوا ، انتشروا ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل ، فهذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء ، ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام على غير طمع ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، حتى لا يبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلّا أذاقها وبال ما جنت (٢).
وتكلم الأشراف بنحو من كلام كثير ، فلما سمع الناس مقالتهم تفرقوا.
قال أبو مخنف : حدّثني المجالد بن سعيد (٣) :
أن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف ، الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول : غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف ، فما زالوا يتفرقون وينصرفون حتى أمسى ابن عقيل وما معه إلّا ثلاثون نفسا ، حتى صليت المغرب فخرج متوجها نحو أبواب كندة ، فما بلغ الأبواب إلّا ومعه منها عشر ، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم إنسان فمضى متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب (٤) ، حتى خرج إلى دور بني بجيلة من كندة ، فمضى حتى أتى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث وأعتقها ، فتزوج بها أسيد الحضرمي ، فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس ، وأمه قائمة تنتظر فسلم عليها ابن عقيل ، فردت السلام ، فقال لها : اسقيني ماء. فدخلت فأخرجت إليه ، فشرب ، ثم أدخلت الإناء ، وخرجت وهو جالس في مكانه ، فقالت : ألم تشرب؟ قال : بلى. قالت : فاذهب إلى أهلك فسكت ، فأعادت عليه ثلاثا ثم قالت : سبحان الله يا عبد الله ، قم إلى أهلك ـ عافاك الله ـ فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك ، ثم قام ، فقال : يا أمة الله ، والله ما لي في هذا المصر من أهل ، فهل لك في معروف وأجر لعلي أكافئك به بعد
__________________
(١) الإرشاد ١٩١ والطبري ٦ / ٢٠٨.
(٢) في ط وق «وبال من خبث».
(٣) الطبري ٦ / ٢٠٨.
(٤) مقتل الحسين ٣١.