بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢) [آل عمران : ١٠٢].
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) [النساء : ١].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧١) [الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١].
أما بعد ، فإن التفسير المسمى «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» (١) للعلامة القاضي المفسّر ناصر الدين أبي الخير ، عبد الله بن عمر بن علي البيضاوي الشيرازي ، الشافعي (ت ٦٨٥ ه ـ) يعتبر من أهمّ كتب التفسير بالرأي (٢) ، فهو كتاب جليل دقيق ، جمع بين التفسير والتأويل على قانون اللغة العربية ، وقرّر الأدلة على أصول السّنّة.
وقد اختصره مؤلّفه من «كشاف» الزمخشري (٣) محمود بن عمر أبي القاسم (ت ٥٣٨ ه ـ) مع ترك ما فيه من اعتزالات ، كما استمدّه من «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي (٤) محمد بن عمر بن حسين الشافعي الطبرستاني (ت ٦٠٦ ه ـ) وبه تأثر عند عرضه للآيات الكونية ومباحث الطبيعة ، ومن تفسير الراغب الأصبهاني الحسين بن محمد بن المفضل أبي القاسم (ت ٥٠٢ ه ـ) المسمى «تحقيق البيان في تأويل القرآن» ، فأصبح من أمهات كتب التفسير التي لا يستغني عنها الطالب لفهم كلام الله عزوجل.
والبيضاوي رحمهالله مقل جدّا من الروايات الإسرائيلية ، لكنه يذكر في نهاية كل سورة حديثا في فضلها ـ كما وقع فيه صاحب «الكشاف» ـ وهي موضوعة باتفاق أهل الحديث وهذا من هناته رحمهالله.
هذا وقد ضمّن البيضاوي تفسيره نكتا بارعة ، واستنباطات دقيقة ، كل هذا في أسلوب رائع موجز ، وهو يهتم أحيانا بذكر القراءات ، ولكنه لا يلتزم المتواتر منها ، فيذكر الشاذ ، كما أنه يتعرض لبعض المسائل الفقهية عند آيات الأحكام دون توسع منه ، مع عرض للصناعة النحوية.
ونظرا لما يحتله هذا الكتاب من أهمية في عالم التفاسير ، فقد وضع عليه العلماء الحواشي والتعليقات
__________________
(١) طبع مرات عديدة ، منها طبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر عام ١٣٣٠ ه / ١٩١٠ م وبهامشه حاشية العلامة الكازروني (ت ٩٤٥ ه ـ) في خمس أجزاء في مجلدين ، وهي الأصل الذي اعتمدناه في طبعتنا هذه وعليه ختم المطبعة الميمنيّة بمصر عام ١٣٠٦.
(٢) كما أكده العلامة محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه «مناهل العرفان في علوم القرآن» (١ / ٥٣٥).
(٣) طبع مؤخرا بدار إحياء التراث العربي في طبعته الأولى عام (١٤١٧ ه / ١٩٩٧ م) بتحقيق عبد الرزاق المهدي.
(٤) طبع بدار إحياء التراث العربي بحلّة قشيبة وملونة ومصححة عام (١٤١٥ ه / ١٩٩٥ م).