لأنّه يقال (١) : مقارنة الجسم للمادّة ـ كما اشير إليه (٢) ـ بحلوله فيها. وبعبارة اخرى : بصيرورة وجوده للمادّة ناعتا لها (٣) ، فمعنى عرض الافتقار له بسبب خارج بعد غناء عنها في ذاته صيرورة وجوده لغيره بعد ما كان لنفسه ، وهو محال بالضرورة.
واعلم أنّ المسألة وإن عقدت في تجرّد الصورة الجسميّة لكنّ الدليل يجري في كلّ صورة في إمكانها أن تلحقها كمالات طارئة.
وسيأتي في بحث الحركة الجوهريّة (٤) أنّ الجوهر المادّيّ متحرّك في صورها حتّى يتخلّص إلى فعليّة محضة لا قوّة معها ، وذلك باللبس بعد اللبس ، لا بالخلع واللبس ، فبناء عليه تكون استحالة تجرّد الصورة المادّيّة عن المادّة مقيّدة بالحركة دون ما إذا تمّت الحركة وبلغت الغاية.
ويتأيّد ذلك بما ذكره الشيخ (٥) وصدر المتألّهين (٦) [من] أنّ المادّة غير داخلة في حدّ الجسم دخول الأجناس في حدود أنواعها. فماهيّة الجسم ـ وهي الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة ـ لا خبر فيها عن المادّة الّتي هي الجوهر الّذي فيه قوّة الأشياء ، لكنّ الجسم مثلا مأخوذ في حدّ الجسم النامي ، والجسم النامي مأخوذ في حدّ الحيوان ، والحيوان مأخوذ في حدّ الإنسان.
وقد بيّنه صدر المتألّهين (٧) بأنّها لو كانت داخلة في ماهيّة الجسم لكانت بيّنة
__________________
(١) هكذا أجاب عنه بهمنيار في التحصيل : ٣٤٧ ، حيث قال : «فإنّ الغنيّ بذاته عن المادّة لا يدخل عليه ما يحوجه إلى المادّة إلّا بانقلاب عينه ، وهو محال».
(٢) حيث قال : «لكنّا نجد بعض الأجسام حالّا في المادّة».
(٣) قال قطب الدين الرازيّ في تعليقته على شرح الإشارات ٢ : ١٠٣ : «ولا معنى للحلول إلّا الاختصاص الناعت».
(٤) في الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.
(٥) في الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «وأمّا الجسميّة الّتي نتكلّم فيها ...».
(٦) في الأسفار ٥ : ١٣٦.
(٧) راجع الأسفار ٥ : ١٣٦.