الفصل الثالث
في أنّ الوجود حقيقة مشكّكة (١)
لا ريب أنّ الهويّات (٢) العينيّة الخارجيّة تتّصف بالكثرة ، تارة من جهة أنّ هذا إنسان وذاك فرس وذلك شجر ونحو ذلك ، وتارة بأنّ هذا بالفعل وذاك بالقوّة ، وهذا واحد وذاك كثير ، وهذا حادث وذاك قديم ، وهذا ممكن وذاك واجب ، وهكذا.
وقد ثبت بما أوردناه في الفصل السابق (٣) أنّ الكثرة من الجهة الاولى ـ وهي الكثرة الماهويّة ـ موجودة في الخارج بعرض الوجود (٤) ، وأنّ الوجود متّصف بها
__________________
(١) أي : في أنّ حقيقة الوجود حقيقة مشكّكة. فكان الأولى أن يقول : «في أنّ حقيقة الوجود مشكّكة» أي : حقيقته العينيّة الّتي يحكي عنها مفهوم الوجود. فالمراد من حقيقة الوجود هو ما في قبال مفهوم الوجود الّذي لا تشكيك فيه ، فإنّه يصدق على جميع مراتب الوجود على السواء ؛ ضرورة أنّه لا تفاضل في صدق المفاهيم على أفرادها حتّى يتحقّق التشكيك فيه ، فمفهوم النور يصدق على نور الشمس ونور القمر ونور المصباح على السواء ومن غير تفاضل ، كما أنّ مفهوم الوجود يصدق على وجود الواجب ووجود الممكن على السواء ، وإنّما التشكيك في حقيقته العينيّة الّتي لها مراتب مختلفة ، فهي كثيرة في عين أنّها واحدة وواحدة في عين أنّها كثيرة.
ومن هنا يظهر أنّه لا وقع للتفريق بين التشكيك المنطقيّ والتشكيك الفلسفيّ بأنّ التشكيك في المنطق هو اختلاف الكلّي في أفراده في صدق مفهومه عليها ، وأمّا معناه في الفلسفة فهو الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة. وذلك لما ذكرنا من أنّه لا تفاضل في صدق المفاهيم الكلّيّة على أفرادها حتّى يتحقّق التشكيك فيه.
(٢) أي : الحقائق.
(٣) أي : في الفرع الأوّل من الفصل الثاني من هذه المرحلة.
(٤) وذلك لما مرّ من أنّ الوجود واسطة في عرض الموجوديّة على الماهيّة ، فالماهيّة نفسها إنّما ـ