الفصل الثالث
في الكلّيّ والجزئيّ
لا ريب أنّ الماهيّة الكثيرة الأفراد تصدق على كلّ واحد من أفرادها وتحمل عليه ، بمعنى أنّ الماهيّة الّتي في الذهن كلّما ورد فيه فرد من أفرادها وعرض عليها اتّحدت معه وكانت هي هو. وهذه الخاصّة هي المسمّاة بالكلّيّة ، وهي المراد باشتراك الأفراد في الماهيّة. فالعقل لا يمتنع من تجويز صدق الماهيّة على كثيرين بالنظر إلى نفسها ، سواء كانت ذات أفراد كثيرين في الخارج أم لا.
فالكلّيّة خاصّة ذهنيّة تعرض الماهيّة في الذهن ، إذ الوجود الخارجيّ العينيّ مساوق للشخصيّة ، مانع عن الاشتراك. فالكلّيّة من لوازم الوجود الذهنيّ للماهيّة ، كما أنّ الجزئيّة والشخصيّة من لوازم الوجود الخارجيّ.
فما قيل (١) : «إنّ الكلّيّة والجزئيّة في نحو الإدراك ، بمعنى أنّ الحسّ لقوّة إدراكه ينال الشيء نيلا كاملا ، بحيث يمتاز عمّا سواه مطلقا ويتشخّص ، والعقل لضعف إدراكه يناله نيلا هيّنا ، يتردّد ما ناله بين امور ، ويقبل الانطباق على كثيرين ، كالشبح المرئيّ من بعيد بحيث لا يتميّز كلّ التمّيز ، فيتردّد بين أن يكون مثلا
__________________
(١) والقائل هو المحقّق الدوانيّ وسيّد المدقّقين على ما نقل عنهما في شوارق الإلهام : ١٦٤ ، وتعليقة الهيدجيّ على شرح المنظومة : ٢٧٠ ، ودرر الفوائد : ٣٣٢. قال المحقّق الدوانيّ في حاشية شرح التجريد للقوشجيّ : ٩٦ : «فالاختلاف بالكلّيّة والجزئيّة لاختلاف نحو الإدراك ...».