بنائهم أن يجعلوا الطبقة السفلى الموالية للأرض حوانيت والبيوت فوقها. إلا أن في غالب مواضعها تجد الحوانيت متصلا بعضها ببعض وفي بعضها منفصلة ، وقل أن تدخل زقاقا من أزقتها ولا تجد فيه عدة حوانيت. وحوانيتهم كلها على شكل واحد في زخرفتها وأبوابها وزجاجاتها ، فما يباع فيها الحرير والجوهر بمنزلة التي تبيع البقول والخضر ، وكلها متصلة بالأرض وليست مرتفعة عن الأرض كحوانيتنا. ومن زخرفتهم في الحوانيت ، أنهم يجعلون جوانبها كلها بالمراءات الصافية ينطبع فيها كل ما في الحانوت ، فلا تدري هل هي محصورة أو نافذة أو صغيرة أو كبيرة. ولا اختصاص لسوق منها بشيء معين ، فتجد حانوت اللحم والسمك مجاورة لحانوت البز (١) والجواهر ونفيس السلع ، وهما في النظافة سواء. فلا يوجد في حانوت اللحم دم ولا عظم ولا رائحة كريهة ، ويبقى اللحم فيها أياما عديدة فلا يتغير ولا ينتن.
ومن أشهر أسواقهم وأنفسها سلعا سوق يسمى باليرويال (٢) وهو تربيعتان (٣) فيهما ما يزيد على أربعماية حانوت ، وفي وسطه أشجار وفوارة ماء كبيرة. وفوق الحوانيت قصر سلطاني يسمى بهذا الاسم ، ويقولون إنه ملك لسلطانهم المتولى الآن. ويباع في هذه السوق الأمور النفيسة كالجواهر والأحجار والذهب المصوغ والفضة وحوايج الحرير وغير ذالك ، وفيه قهاوي وغير ذالك.
__________________
(١) حوانيت البز هي التي يباع فيها الثوب المصنوع من الكتان أو القطن ، وقد يسمى تجمعها بالبزازين (المعرب).
(٢) والإشارة بذلك إلى بالي رويال (Palais Royal) الذي بني في القرن السادس عشر. لكن مع حلول القرن الثامن عشر أصبحت توجد في أروقته دكاكين تجارية ومحلات للتسلية ولعب القمار. وذكر هالت أفندي ، أحد الرحالة الأتراك عند مطلع القرن التاسع عشر ، أن الغرف الموجودة في أعالي البناية كانت تستعمل أو كارا للدعارة ، وأن «زيارة ذلك المكان أثناء الليل أمر مخجل ، غير [...] أنه لا حرج في زيارته خلال النهار». انظر : Lewis ,Muslim Discovery ,p.١٩٢.
غير أن كل محلات الدعارة والتسلية المشبوهة والمنافية للأخلاق كان قد صدر الأمر بإغلاقها بصفة نهائية زمن زيارة البعثة المغربية إلى باريز ، انظر :
Guide Michelin : Paris, ed., ٨٨٩١, pp. ٣١١ ـ ٥١١.
(٣) مفردها تربيعة والمقصود بها هنا هو ساحتان فسيحتان تتخللهما حوانيت (المعرب).