كالحاضرة مع البادية ، فكأن غيرها من المدن بالنسبة لها كله بادية.
ولا يتماشى أهل الثروة من أهل هذه البلد وذووا الهمة منهم بل ومطلق الناس غالبا إلا في الأكداش لأمرين : أحدهما حب الرياء والفخر الذي طبعوا عليه ، فلا تسمح نفس أحدهم بالمشي على رجليه في الطرقات ، إلا إن كان مقصوده الاستراحة والفرجة (١). والأمر الثاني ، كبر المدينة جدا ، فكل من يريد الذهاب من محل منها إلى آخر ، يشق عليه المشي على رجليه لأنه سفر. ولذالك تجد عندهم كراريص طوالا تحمل كثيرا من الناس مكتوب عليها : «هذه تذهب إلى الحومة الفلانية» ، فيركبها كل من يريد الذهاب لتلك الحومة ولو كان من الخدمة ونحوهم ، وينزل بعضها ويحمل آخرين في أثناء الطريق (٢). فهدير الأكداش والكراريص بها لا يفتر ليلا ولا نهارا ، حتى أن الزجاج التي بطاقاتها دائما يرتعد ويهتز من شدة فرقعتها. وبقينا بها أياما لا يأخذنا النوم من أجل هولها ، لأنها لا يفتر مشيها باليل ، ونرى كأننا على شاطئ البحر أو أمام رحى تدور.
وتجد سائر أسواقها وفجاجها كلها مملوة بالكراريص بقصد الكراء ، وبها أسواق كثير ، وإن شئت قلت كلها أسواق لأن أسواقهم كلها حوانيت (٣). ومن عادتهم في
__________________
(١) قارن مع ما أتى به الطهطاوي في هذا الصدد ، تلخيص ، ص. ٧٦ ؛ ١٢١ ـ ١٢٠.L\'or ,pp.
(٢) أنشئت أول شركة للنقل الحضري في باريز بهذا النعت» Entreprise des omnibus «سنة ١٨٢٨. وتأسست فيما بعد شركات أخرى خصوصية لنقل الركاب بين مختلف الأحياء والمقاطعات الباريزية مقابل أجر معلوم. وعند وجود الصفار بالعاصمة الفرنسية ، كانت هنالك عدة حافلات تخترق مختلف أرجاء المدينة وتحمل أسماء معينة من قبيل :(Josephine ,Gazelle ,Hirondelle) وغيرها. انظر : Guide Michelin : Paris ,ed.,٨٨٩١ ,p.٤.
(٣) كان الصفار يضع نصب عينيه صورة القيسارية أو القيصرية في فاس. ومعلوم أن القيسارية كانت تفتح أبوابها للزبناء نهارا وتقفل أبوابها عند المساء فتصبح أزقتها خالية. وكان في إمكان المشترين اقتناء حاجياتهم التي عادة ما يجدونها معروضة للبيع في الحوانيت الملتصقة بعضها ببعض. ويمكن إيجاد بعض المواد الضرورية معروضة للبيع في حوانيت منبثة ضمن الأحياء السكنية ، غير أنه لا مجال للمقارنة بين حجم تجارة أصحاب تلك الحوانيت وأقرانهم في القيساريات. انظر :
R. Le Tourneau, La vie quotidienne Fe؟s en ٠٠٩١) Paris, ٥٦٩١ (, pp. ١٢١ ـ ٤٢١; al ـ Qadiri) trans. Cigar (, Nashr, p. ١٢٢ and note ٦; EI ٢, s. v." Kaysariyya".