فرانسا كلها حرم لا تهتك ولا يتعدى أحد على ملك آخر (١). ومن فعل عوقب عقوبة معلومة عندهم لا شفاعة فيها ، ولا يقدر أحد أن يدفعها عنه. وقد رأينا في بعض الطريق زربا (٢) صغيرا فاصلا بين الطريق والملك ، فأخبرنا بعض من كان معنا أنه علامة على الحد بين الملك والطريق ، فمن تخطاه برجل واحدة سجن خمس سنين ، ومن وقع خلفه بكله سجن خمسة عشرة سنة. ولذلك لا تجد عندهم إنسانا ولا دابة هائمة في ملك أحد ولو كانت أرض مرعى ، فإنما يتصرف فيها ربها لا يشاركه فيها غيره. مع أن ماشيتهم لا تسرح إلا نادرا ، واعتمادها إنما هو على العلف. وكل أحد يزرع في ملكه ما يقضب للعلف والأكل طول السنة يعمله لنفسه أو للبيع ، ولم نر عندهم مراعي ينبت فيها الكلأ وحده كما عندنا بالمغرب.
ومن استفادة أشجارهم المذكورة الخشب العظام التي تصلح للأعمال والأبنية ، والورقة التي يصنع بها الأبواب والصناديق ، وغير ذالك مما يصنع من الخشب كالمراكب والفلائك وصواريها وغير ذالك. ويحتالون على الشجرة من صغرها حتى تطلع مستقيمة وتكون عمودا واحدا ، فتصلح للصواري ونحوها. واحتياجهم في البناء للخشب أكثر من غيره ، لأن الفصل بين البيوت إنما يكون بالخشب المطلية بأنواع الأطلية لا يعرف أنها خشب إلا بعد التأمل ، ولا يبنون بالحجارة إلا الجدرات الخارجية.
ولهم في غرس هذه الأشجار التي في البراري ترتيب وتصفيف عجيب في غاية
__________________
مدلول المصطلحين ؛ فيعتبرون الشريعة مجمل القوانين السماوية الثابتة ، بينما يدخلون في إطار «القانون» مختلف التقنيات التنظيمية القابلة للتغيير والتي وضعها بنو الإنسان ، حتى تكون قابلة لمسايرة المستجدات بصفة عامة ، وليس هناك أي تناقض بين الاثنين وإن كانت مصادرها الأصلية مختلفة تماما ، انظر :
A. Hourani," Aspects of Islamic Culture : Introduction", in Naff and Owen, Studies, pp. ٦٦٢ ـ ٧٦٢.
(١) لاحظ الصفار غياب الأراضي الجماعية التي يسمح فيها لعامة الناس برعي ماشيتهم وجمع العلف لفائدتها ، كما كان معهودا وقتئذ في البوادي المغربية.
(٢) «الزرب» ، وهي أغصان شائكة تستعمل سياجا للحقول والممتلكات الخاصة ، أو وسيلة لحصر الماشية في البوادي ومنعها من التنقل. انظر : ٥٨٤ : ١Dozy (المعرب).