الطريق إصطبلات ، وتسمى بلغتهم البوسطة فيها خيل كثيرة. إذا وصلها الراكب
ترك فيها ما عنده من الخيل وأخذ غيرها مستريحة ، ويذهب معها من هنالك من يسوقها
إلى أن يمشي ساعة ونحوها فيجد بوسطة أخرى فتتبدل فيها الخيل وسائقها أيضا وهكذا ،
فتبقى الخيل التي تجر دائما مستريحة ويبقى مشيها سريعا لا يتغير. وقد تبدل علينا
في ذهابنا من مرسيليا لباريز ما يزيد على ثمانماية فرس ، وكنا بثلاثة أكداش يجرها
أحد عشر فرسا ، ثلاثة وثلاثة وأربعة .
ولأن المسافر لا
يمنعه السير من النوم لتيسره في الكدش ، وإن لم يكن بأكمله لعدم تمكنه من
الامتداد. والسفر قطعة من العذاب كيفما كان ، كما أفصح عنه الحديث الكريم ، فإنه
يمنع كمال لذة النوم مع غيره. ولما جلس إمام الحرمين موضع أبيه سئل لم كان السفر
قطعة من العذاب ، فأجاب على الفور : لأن فيه فراق الأحبة. ولا يعارض كونه قطعة من
العذاب حديث ابن عباس وابن عمر مرفوعا : سافروا تغنموا ، وفي رواية ترزقوا ، وفي رواية
تصحوا. لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة والغنيمة والرزق أن لا
يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة.
ومن واصل السفر في
هذه الطريق ليلا ونهارا ، يصل من مرسيليا في نحو ثلاثة أيام. وبهذا السير تسير
البراوات والمكاتيب من إحداهما للأخرى ، فتصل في ثلاثة أيام أو أقل
، مع أن المسافة بينهما لمن كان راكبا على ظهر الدابة ما يقرب من الشهر.
__________________