عند خروجهم ، ليلا يحمل فيها خفية ما لم يدفع عليه مكسا.
ولهم وكلاء ونقباء على الطريق بخصوصها يتعاهدون إصلاحها ويقومون به ، لا شغل لهم إلا ذالك ، والغالب أن تكون دورهم على الطريق. ومن اعتنائهم أنه كلما افترق طريقان ، نصبوا في مفرقهما عمودا فيه لوح مكتوب فيه أين تخرج هذه وأين توصل هذه. وسهولة الطريق سبب في سهولة المقصد. ولهم في جوانبها رشوم بالغباري للأميال (١) ، فحيثما كان المسافر منها يعرف كم مضى له من محل خروجه ، وكم بقي له للمحل الذي يقصده.
ثم إن السفر يتيسر في هذه البلاد ليلا ونهارا من غير مشقة ولا تعب ، وذالك لما عندهم من الأمان التام (٢). فلا يخشى المسافر من لص ولا قاطع طريق ولا متعرض. ولأجل ذالك لا ترى فيهم من يحمل سلاحا قط ، وإنما يحمل السلاح العسكر فقط في حال احتياجه إليه. ولسهولة الطريق فيتمكن الإنسان من المشي فيها كل وقت من ليل أو نهار ، ولو كانت في وسط بلد ، لأن بلدانهم لا تغلق أبوابها اكتفاء بالحراس ، وغالبها لا سور لها ولا أبواب ، ففي أي وقت وصلتها تدخلها.
ولعدم إعياء الدواب وتعبها لأنها تتبدل هي وسائقها في كل ساعة ، ففي
__________________
(١) الميل ، من وحدات قياس المسافة المستعملة عند العرب والأوربيين على السواء. جاء عند ابن خلدون أن الميل يعادل أريعة ألف ذراع ، أي حوالي كيلومترين. ٩٦ : ١Muquaddimah ، ثم الهامش رقم ١٩ من الصفحة نفسها. أما رشوم الغبار ، فهي الأرقام العربية.
(٢) من العلامات الدالة على كفاءة الحكام ، النجاح في ضمان أمن الطرقات وسلامة المتنقلين عبر أرجاء البلاد ، ٢ : ٣Muqaddimah. وكان المسافرون ملزمين بالاعتماد على أحد ممثلي المخزن المحليين لحماية أنفسهم من مخاطر الطرق. وقد أشار جون دارموندهاي إلى أن البادية المغربية «مليئة باللصوص ، فأرغم السلطان قبيلتين أو ثلاثا على نصب الخيام قرب الطريق لحماية المسافرين من شرورهم». انظرJournal ,p.٥٢ ، لكن حينما ينتقل الموكب السلطاني في ما يسمى ب «الحركة» ، يصبح الأمر ممارسة سياسية الهدف منها إثبات وجود السلطة المخزنية : انظر :
J. Dakhlia," Dans la mouvance du prince : la symbolique du pouvoir itine؟rant au Maghreb", Annales : Economies, Socie؟te؟s, Civilisations ٣٤, ٣) mai ـ juin ٨٨٩١ (: ٥٣٧ ـ ٠٦٧.