الطريق إصطبلات (١) ، وتسمى بلغتهم البوسطة فيها خيل كثيرة. إذا وصلها الراكب ترك فيها ما عنده من الخيل وأخذ غيرها مستريحة ، ويذهب معها من هنالك من يسوقها إلى أن يمشي ساعة ونحوها فيجد بوسطة أخرى فتتبدل فيها الخيل وسائقها أيضا وهكذا ، فتبقى الخيل التي تجر دائما مستريحة ويبقى مشيها سريعا لا يتغير. وقد تبدل علينا في ذهابنا من مرسيليا لباريز ما يزيد على ثمانماية فرس ، وكنا بثلاثة أكداش يجرها أحد عشر فرسا ، ثلاثة وثلاثة وأربعة (٢).
ولأن المسافر لا يمنعه السير من النوم لتيسره في الكدش ، وإن لم يكن بأكمله لعدم تمكنه من الامتداد. والسفر قطعة من العذاب كيفما كان ، كما أفصح عنه الحديث الكريم ، فإنه يمنع كمال لذة النوم مع غيره. ولما جلس إمام الحرمين موضع أبيه سئل لم كان السفر قطعة من العذاب ، فأجاب على الفور : لأن فيه فراق الأحبة. ولا يعارض كونه قطعة من العذاب حديث ابن عباس وابن عمر (٣) مرفوعا : سافروا تغنموا ، وفي رواية ترزقوا ، وفي رواية تصحوا. لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة والغنيمة والرزق أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة.
ومن واصل السفر في هذه الطريق ليلا ونهارا ، يصل من مرسيليا في نحو ثلاثة أيام. وبهذا السير تسير البراوات (٤) والمكاتيب من إحداهما للأخرى ، فتصل في ثلاثة أيام أو أقل ، مع أن المسافة بينهما لمن كان راكبا على ظهر الدابة ما يقرب من الشهر.
__________________
(١) مفردها إسطبل ، وأصلها من اللاتينية (stabulum) ، وبالإسبانية (Establo). ٢٦ : ١Dozy ؛ انظر مادة «إسطبل» في : EI ٢ S.V ,"Istabl ".
(٢) وربما أراد الصفار أن يقول هكذا : «تجرها أحد عشر فرسا ثلاثة وأربعة وأربعة» ، حتى يكتمل عدد الإحدى عشر فرسا (المعرب).
(٣) كان ابن عمر وابن عباس من الشخصيات البارزة في صدر الإسلام. وكان ابن عمر المتوفى سنة ٦٩٣ ميلادية هو الولد البكر للخليفة عمر بن الخطاب وأحد صحابة الرسول صلىاللهعليهوسلم المقربين. أما عبد الله ابن العباس المتوفى عام ٦٨٧ ميلادية فقد كان ابن عم الرسول صلىاللهعليهوسلم وقد اشتهر بمعرفته العميقة للحديث والشريعة. انظر مادتي «عبد الله بن العباس» و «عبد الله بن عمر بن الخطاب» في : SEI.
(٤) مفردها برية أو برا ، وقد تعني أصنافا متعددة من الوثائق ، كالعقد أو الوصل أو غيره ، لكنها تعني هنا الرسائل العادية التي يبعث بها الأفراد إلى بعضهم عبر البريد ، انظر : ٦٣ : ١Dozy (المعرب).