من الكنائس والأعمار (٩) فى ذكر الحمامات بباطن دمشق وظاهرها (١٠) فى ذكر فضلها وما مدحت به نثرا ونظما. وفى وصفه لحلب يزيد فى الفصول حتى يبلغ بها سبعة عشر فصلا (١١١) هذا بينما يميل وصفه إلى الاقتضاب فيما يتعلق بالمدن التى تقل أهمية عن ذلك ولو أنه لا يحيد فى شىء عن المنهج الذى سار عليه فى بقية الكتاب (١)
ولكتاب ابن شداد مزايا أخرى فمصادره مثلا متنوعة وقيمة للغاية ، وهو يسمح لنا دائما بالتعرف على مصنفات لم تصل إلينا أحيانا بطريق مباشر (١١٢). وأطرف من هذا أنه لم يكن له علم فيما يبدو بمعجم ياقوت ، ومهما يكن من شىء فإنه لم يشر إليه ولو مرة واحدة (١١٣). ومن الجدير بالملاحظة أن ابن شداد كان حتى عام ٦٢٩ ه ـ ١٢٣٢ يعتمد اعتمادا كليا على رواية الغير (١١٤) ولكن ابتداء من ذلك التاريخ أخذ يبدو على عرضه طابع الأصالة التامة الذى يعكس بجدارة اتساع تجربته وملاحظته الشخصية. هذا ولم يفد المؤرخون المتأخرون كثيرا من كتاب ابن شداد (١١٥) باستثناء الأقسام المتعلقة بالشام وبدمشق بصفة خاصة والتى اجتذبت اهتمام جميع من عالجوا الكتابة فى أمثال هذه الموضوعات (١١٦). وتعتبر مادة ابن شداد فى تاريخ دمشق وخططها من أكمل ما قدمه عصره (١١٧) وقد تردد صدى هذا عند جميع المؤلفين الذين كتبوا عن فضائل دمشق فى العصور التالية له ؛ ومما يزيد فى أهمية ابن شداد أنه يكاد أن يكون الممثل الأخير للجغرافيا التاريخية على الأساس الإقليمى الذى درس الشام فى وحدة عضوية مع أرض الجزيرة. ولعله من نافلة القول أن نستدرك بقولنا مرة أخرى أن تطور الأدب الجغرافى (أو التاريخى) فى اللغة العربية قد تردد صداه فى الأدب الفارسى. وقد كان عصر المغول بالنسبة للأدب الفارسى عصر ازدهار خاص ، ولعله ليس من محض الصدفة أن يرفع القزوينى مؤلفه كما رأينا إلى الجوينى ؛ ذلك أن هذا الأخير لم يكن موظفا كبيرا من موظفى الدولة فحسب بل كان فى ذات الوقت عالما مرموقا ومؤرخا كبيرا استطاع أن يقدر مصنف القزوينى حق قدره لأن المسائل الجغرافية لم تكن غريبة عليه ؛ وإلى جانب هذا فهو كان يستطيع الكتابة بالعربية كما وأنه استعمل المصادر العربية بالكثير من الحرية. وأصل علاء الدين عطا ملك الجوينى من خراسان وقد بدأ نشاطه فى خدمة الدولة فى وقت مبكر ولما توطد سلطان المغول أصبح جوينى كاتبا خاصا للأمير أرغون الذى كلفه مرتين بالسفر إلى منغوليا. وفى عهد هولاكو وفق جوينى فى إنقاذ جزء كبير من مكتبة الإسماعيلية بالموت ، ثم لم يلبث أن عين منذ عام ٦٦١ ه ـ ١٢٦٢ ـ ١٢٦٣ حاكما على بغداد وكان هذا يعنى فى واقع الأمر امتداد سلطانه على جميع البلاد العربية الخاضعة لسلطان المغول. وقد جهد جوينى كثيرا فى إعادة الحياة إلى ما كانت عليه فى المناطق التى قاست من وطأة الغزو
__________________
(*) نشر المعهد الفرنسى بدمشق القسم الخاص بحلب فى عام ١٩٥٣ بتحقيق المستشرق الفرنسى سورديل Sourdel ، والقسم الخاص بدمشق فى عام ١٩٥٦ بتحقيق الأستاذ سامى الدهان. وهذا هو جميع ما نشر من كتاب ابن شداد حتى هذه اللحظة بحسب علمنا.
(المترجم)