هذا بكثير لأن بلوخ قصر بحثه على النقاط المتعلقة بالشام وفلسطين. وصواب رأى ياقوت فى أنه يمكن استخراج معلومات مفيدة من مصنف الهروى قد وكده العلم الأوروبى الحديث ، على الأقل فيما يتعلق بتلك الأقسام التى أخضعت لأبحاث مستقلة وهذا ينطبق على المادة الضخمة التى يوردها الهروى عن الصليبيين وفى وصفه للقسطنطينية (٤٤) ولثوران بركان اتنا. ومن الطريف ملاحظة أنه رغما من سهولة التصديق لدى الهروى فإنه قد ذهب لمراقبة ثوران بركان اتنا ليتحقق بعينى رأسه من زعم أحد العلماء المحليين الذى ادعى أنه قد رأى السمندر (Salamandar) يقفز فى اللهب دون أن يحترق. وقد تمكن الهروى من أن يثبت أن فوهة البركان هى التى كانت تقذف فى الواقع بحجارة ملتهبة فى اتجاه البحر (٤٥).
ومن المؤكد أن كلا من السمعانى والهروى ، رعما من اختلاف منهجيهما ، كانا أستاذين كبيرين لياقوت ، أعنى بذلك أنه قد نقل عنهما كثيرا ؛ ويمكن أن نحكم إلى حد ما على درجة هذا النقل بفضل وجود المصنفات الأصلية بين أيدينا. وإلى جانب هذين المؤلفين نعرف أيضا من القرن الثانى عشر ، وفى النصف الثانى منه بالذات ، عددا من صغار المؤلفين السابقين لياقوت والذين تعتمد معرفتنا بهم فى الواقع على مجرد ذكر ياقوت لأسمائهم. وهم جميعا نجوم ليست من الدرجة الثانية فحسب بل الثالثة ، غير أن عددهم الكبير يقف دليلا على الطابع المميز لذلك العصر وبرهانا على أن ياقوت قد جهد فى استيعاب جميع المادة السابقة له حتى تلك التى لم تتمتع بأهمية من المكانة الأولى. والسلسة الطريفة لهؤلاء المؤلفين ممن ذكرهم ياقوت بالذات تساعدنا على إلقاء ضوء ساطع على شخصيته فى الفصل القادم.
وفى مقدمة معجمه التى يعطى فيها سردا مفصلا لمصادره يذكر ياقوت أنه قد رجع إلى كتاب أبى الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندرى «توفى عام ٥٦٠ ه ـ ١١٦٥) بعنوان «فيما اختلف وائتلف فى أسماء البقاع» ، فهو بهذا إنما ينتمى إلى المصنفات من طراز «المختلف والمؤتلف» المعروف لنا بما فيه الكفاية والذى كثر استعماله فى ترتيب أسماء الأعلام فى مختلف فروع الأدب ، أى ليس فى الجغرافيا وحدها بل فى التاريخ وتاريخ الأدب الخ. ويقدر ياقوت هذا الكتاب تقديرا عاليا ويرى فيه «تأليف رجل ضابط قد أنفذ فى تحصيله عمرا وأحسن فيه عينا وأثرا» (٤٦) ؛ ورغما من ذلك فقد اطلع عليه ياقوت فى موجز لأبى موسى محمد بن عمر الأصفهانى (٤٧) (توفى عام ٥٨١ ه ـ ١١٨٥) الذى مر بنا شخصه فى صدد آخر ، وهو من رواة الأحاديث المشهورين (٤٨) وأهم من ذلك أنه وضع ذيلا لمعجم الأنساب لابن القيسرانى (٤٩). ويتضح لنا من هذا المثال أن اهتمام هذه الجماعة من العلماء كان موجها قبل كل شىء إلى ما يسمى «بعلم الرجال» (أى رواة الأحاديث). وإلى جانب هذا عرف ياقوت ملخصا آخر لكتاب الإسكندرى عمله أبو بكر محمد بن موسى الخازمى (٥٠) (توفى عام ٥٨٤ ه ـ ١١٨٨) ، وهو كسابقه كان أيضا من رواة الأحاديث (٥١) ولا شك أن اتجاهه كان مشابها لاتجاه أولئك. وقد قدر ياقوت مصنفه تقديرا عاليا فى بادئ الأمر ولكن عندما تعرف على مسودة أبى موسى تأكد لديه؟؟؟ أن الخازمى